بَل بَلَدٍ: يعني: بل رُبّ بلد، إذن: تحذف رُبّ لفظاً فتُقدّر بعد هذه الحروف الثلاثة.
قال في التسهيل: تجرّ رُبّ محذوفةً بعد الفاء كثيراً، وبعدَ الواو أكثر، وبعدَ بل قليلاً، الأكثر الواو، ثم الفاء، ثم بل على الترتيب.
ومع التجرّد أقل، يعني: دون هذه الثلاثة.
رَسْمِ دَارٍ وَقَفْتُ فيِ طَلَلِهْ ... كِدْتُ أَقْضِي الحياةَ مِنْ جَلَلَه
رَسْمِ دَارٍ: يعني: رُبّ رسمِ دار، حذفت دون واوٍ أو بل أو الفاء.
ومرادُه بالكثرة معَ الفاء الكثرة النسبية، أي: كثير بالنسبة إلى بل.
وقال أيضاً: وليسَ الجرّ بالفاء وبل باتفاق .. هو حكى الاتفاق، فيه خلاف.
فَمِثْلِكِ: قال بعضهم مجرورٌ بالفاء، و: بَل بَلَدٍ، بلدٍ مجرورٌ بـ (بل) لا، ليس الأمر كذلك، وليسَ الجر بالفاء وبل باتفاق، بل قيل: الجرّ بالفاء وبل لنيابتهما مناب رُبّ، أقيما مُقام ربّ فجرّا.
وأما الواو، فمذهب الكوفيون والمبرد إلى أن الجر بها: وَلَيْلٍ كَمَوْجِ ..
إذن: ليس عندنا رُبّ على مذهب الكوفيين، وإنما الواو هي العاملة، لكن انتبه أن الكوفيين يرون أن رُبّ اسماً وليست حرفاً.
والصحيح أن الجر برُبّ مُضمَرة، وهو مذهب البصريين.
وَقَدْ يُجَرُّ بِسِوَى رُبَّ لَدَى ... حَذْفٍ وَبَعْضُهُ يُرَى مُطَّرِداً
الحكم السابق برب، هل هو خاصّ بها؟ دائماً يمرُّ معنا أن حرفَ الجرّ لا يعمل محذوفاً هذا هو الأصل، إلا ما سُمِع من لسان العرب، وخاصّة إذا شاع وكثر.
وَقَدْ يُجَرُّ بِسِوَى رُبَّ: من الحروف.
لَدَى حَذْفٍ: يعني: عند حذفِهِ.
وَقَدْ يُجَرُّ: قد للتقليل هنا.
وَقَدْ يُجَرُّ بِسِوَى رُبَّ: يعني: بغير رُبّ من الحروف.
لَدَى حَذْفٍ .. وَبَعْضُهُ يُرَى مُطَّرِداً: إذن منه ما هو سماعي، ومنه ما هو قياسي.
وَبَعْضُهُ يُرَى مُطَّرِداً: مفهومُه أن السابق سماعي ليس مُطرداً، يقصد بالمطرد هنا أن يكون قياساً يعني: تقيسُ عليه، حينئذٍ كما قال الشارح:
الجرُّ بغير رُبّ محذوفاً على قسمين: مُطّرد وغير مطرد، فغير المطرد يعني: الذي يُسمع ويُحفظ ولا يُقاس عليه كقول رؤبة لمن قال له: كيف أصبحتَ؟ قال: خيرٍ، يعني: بخير، تحذِفها دائماً أنت، تقول خيرٍ؟ لا، لا يصلحُ هذا، لماذا؟ لأن هذا يُحفَظ ولا يُقاس عليه، التقدير على خيرٍ، أو بخير.
وقول الشاعر:
إِذَا قِيلَ أَيُّ النَّاسِ شَرٌّ قَبيلَةً ... أَشارَتْ كُلَيْبٍ بالأَكُفِّ الأَصابِعُ
الأصابع أشارت إلى كليبٍ، فحُذِفت (إلى).
وَكَرِيمَةٍ مِنْ آلِ قَيْس أَلَفْتُه ... حتَّى تَبَذَّحَ فَارتَقَى الأَعلامَا
أي: فارتقى (إلى) الأعلام.
والمطّرد كقولك: بكم درهمٍ اشتريتُ هذا؟ فدرهمٍ مجرور بـ (مِن) محذوفة عندَ سيبويه والخليل، وبالإضافة عندَ الزجاج، فلا شاهدَ فيه على الثاني، وإنما المراد به الأول: بكم درهمٍ، درهمٍ: هذا اسم مجرور بـ (مِن) مُقدّرة، إذن: حذفت (من) ونُوِي عملها .. وبقي عملها.
إذن: هذا استثناء من القاعدة، أنه لا يُحذَف الحرف ويبقى عمله، إلا في مواضع محفوظة معدودة، وعدَّها المرادي في شرحِه، وكذلك الأشموني ثلاثَ عشرة موضعاً، فارجع إليها.