وَجَرٌّ لَمْ يُكَفّْ: الجرُّ لم يُكَف بل بقي على أصله.

قال الشارح: تُزاد (ما) بعد الكاف ورب فتكفهما عن العمل تارة وتارة لا، وأما مثال ما تكفّهما فيه عن العمل:

فَإِن الحُمْرَ مِن شرِّ المطَايَا ... كَمَا الحبِطَاتُ شَرُّ بَنِي تَمِيمِ

كَمَا الحبِطاتُ: الأصل كالحبطاتِ .. شَرُّ بَنِي تَمِيمِ، إذن: رجعت إلى الابتداء.

رُبَّمَا الْجَامِلُ المُؤَبَّلُ فِيهِمْ ... وَعَناجِيجُ بَيْنَهُنَّ المِهَارُ

رُبَّما الْجَامِلُ: الجامل مبتدأ، إذن: دخلت على الجملة الاسمية.

ماويَّ يا رُبَّتَمَا غَارَةٍ

بقيت على أصلها: يَا رُبَّتَمَا: رُبّت، هذه لغة في رُبّ، يعني: زيدت عليها التاء، غَارَةٍ: هذا مجرور برُبّ، دخلت عليها (ما) كافة فلم تكفها عن العمل، والغالب على رُبّ المكفوفة بما أن تدخلَ على فعل ماضٍ، هذا الغالب فيها، كقوله: ((رُبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا)) [الحجر:2]، هذا ماضٍ في المعنى دونَ اللفظ، وإلا في اللفظ هو مُضارع، وأما الماضي الخالص، وكقوله: " رُبَّما أَوْفَيْتُ في عَلَمٍ "، وأما دخولها على المضارع، فهذا ليس المقصود به المضارع من حيث هو مضارع، يعني: من حيث المعنى، وإنما المرادُ به باعتبار زمنِه الماضي، ولذلك لدخوله على الفعل المضارع نُزِّلَ الفعل المضارع منزلة الماضي، وهذا سبقَ معنا أن الفعل المضارع قد يكون مدلوله الماضي، وتدخلُ على مضارع نُزِّل منزلته لتحقّق وقوعه: ((رُبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا)) [الحجر:2]، وندرَ دخولها على الجملة الاسمية، فالبيت السابق:

رُبَّمَا الْجامِلُ المُؤَبَّلُ

قال:

وَنَنْصُرُ مَوْلاَنَا، ونَعْلَمُ أَنَّهُ ... كَمَا النَّاسِ، مَجْرُومٌ عَلَيْهِ وجارِمُ

كمَا النَّاسِ، دخلت على الكاف وبقي عملها.

وَحُذِفَتْ رُبَّ فَجَرَّتْ بَعْدَ بَلْ ... وَالْفَا وَبَعْدَ الوَاوِ شَاعَ ذَا الْعَمَلْ

وَحُذِفَتْ رُبَّ لفظاً، في اللفظ حُذفت:

وَلَيْلٍ كَمَوْجِ الْبَحْرِ يعني: ورُبّ ليل، حذفت في اللفظ فجرت منوية مقدرة بعد (بل) والفاء والواو، يعني: ليس مطلقاً، وإنما بعد الحروف الثلاثة، لكن الواو أكثر، ولذلك قال:

وَبَعْدَ الوَاوِ شَاعَ ذَا الْعَمَلْ: بكثرة، مفهومُه: أن ذلك بعد (بل) والفاء غير شائع، وهو مفهوم صحيح.

إذن: فجرّت مَنوية بعد بل والفاء، لكن على قلّةٍ، وقيل: بعد (ثم) كذلك وقلَّ مَن ذكرَها، وَبَعْدَ الوَاوِ شَاعَ ذَا الْعَمَلْ، شاع بعد الواو، (بَعْدَ) هذا ظرف منصوب بـ شَاعَ، متعلق به، وهو مضاف والواو مضاف إليه: ذَا الْعَمَلْ، شَاعَ ذَا، اسم إشارة في محلّ رفع فاعل، العمل: بدل أو عطف بيان أو نعت بكثرة.

قال الشارح: لا يجوزُ حذفُ حرف الجرّ وإبقاء عمله؛ إلا في رب بعد الواو وفيما سنذكره، وقد وردَ حذفها بعد الفاء وبل قليلاً، فمثاله بعد الواو قوله:

وَقَاتِمِ الأَعْمَاقِ خَاوِي الْمُخْتَرَقْنْ

وَقَاتِمِ يعني: ورُبّ قاتمِ.

ومثاله بعد الفاء قوله:

فَمِثْلِكِ حُبْلَى قَدْ طَرَقْتُ وَمُرْضِعٍ ... فأَلْهَيْتُهَا عَنْ ذِي تَمَائِمَ مُحْوِلِ

فَمِثْلِكِ: يعني: فرُبّ مثلك، هذا الأصل.

بَل بَلَدٍ مِلءُ الفِجَاجِ قَتَمُهْ ... لا يُشْتَرى كَتَّانُه وجُهْرُمُهْ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015