ومذهب الأخفش -وهو بصري- والكوفيين إلى أنها اسمٌ، وأُيِّدَ مذهبُ الكوفيون بأنها في التقليل أو التكثير مثل (كم) الخبرية، لأن ربّ كما سيأتي فيها أربعة مذاهب, المشهورُ أنها للتكثير كثير وللتقليل قليل، هذا المشهور خاصة عند المتأخرين, حينئذٍ إذا أفادت التكثير (كم) الخبرية تُفيد التكثير؛ (كم مالٍ عندي) , (كم أولادٍ) نقولُ هذا أفادت التكثير.
إذن: لما عُدّي بـ (رب) التكثير -الذي هو من خواص (كم) الخبرية -حينئذٍ دلَّ على أنها اسم، فهذا المعنى الذي دلَّت عليه رب وهو المعنى الذي دلت عليه (كم) الخبرية, وأُيّد بأنها في التقليل أو التكثير مثل (كم) الخبرية في التكثير، إذ معنى (رب رجل كريم لقيته) , (رب رجل بخيل لقيته) المعنى قليل أو كثير من هذا الجنس على حسب المعنى المراد, كما أن معنى (كم رجلٍ) كثير من هذا الجنس, ولا خلاف في اسمية (كم).
إذن: حملاً على (كم) الخبرية حُكِم على (رب) بأنها اسم وليست بحرف, إذن: قوله (رب) جرى فيه على مذهب البصريين, هذه الحروف العشرون كلّها مُختصّة بالأسماء وهي تعملُ فيها الجرّ، وقد عملت هذه الحروف الجرَّ في الأسماء على الأصل فيها، لأن الأصل في الحرف المختصِّ أن يعمل الجرَّ هذا الأصل، حينئذٍ إذا جِيءَ بالحرف يعملُ الجر؛ حينئذٍ لا نسأل عنه لا نقول: لماذا عمِلَ الجر؟ لأنه جاء موافقاً للأصل؛ لأنه كما سبقَ أن بعض الحروف مختصّ بالأسماء وبعضها مختصّ بالأفعال.
ما اختصَّ بالأسماء فالأصل فيه أنه يعمل الجرَّ، فما عمِلَ النصب كـ (إن) أو عملَ الرفع كـ (إن) كذلك بالخبر، حينئذٍ يُسأل لماذا خرج عن الأصل؟ وما هو الأصل؟ الأصل في الحرف المختص بالاسم أن يعمل الجر فحسب، ولذلك هنا لا يُسأل عنها فنقول: هي عملت الجر على الأصل. وهي تعملُ فيها الجر, وتقدَّمَ الكلام على خلا وحاشا وعدا في باب الاستثناء, فلا عودة ولا إعادة.
وقلَّ مَن ذكرَ (كي ولعل ومتى) , ومع أن الناظم هنا ذكرها من باب استيفاء حروف الجر, وقلَّ مَن ذكر (كي ولعل ومتى) في حروف الجر لغرابة الجر بهن، لأنها خاصة هذه تخص عُقيل وهذه تخصل هذيل إلى آخره.
حينئذٍ لما اختصّت ببعض القبائل دون بعض صارت فيها نوع نُدرة وغرابة، حينئذٍ لا تُجعل حكماً عاماً مطّرداً, ولذلك لم يذكر لها معاني, إنما أسقطَ هذه الثلاث الأول خلا وعدا وحاشا؛ لأنها مضت وكي ولعل ومتى مع كونه ذكرَها في التعداد إلا أنه لما سرد المعاني لم يتعرض لها، ولذلك نذكرها كما ذكرها ابن عقيل, فأمّا كي فتكون حرفَ جرّ في ثلاثة مواضع, وأسقطَ ابن عقيل موضعاً:
الموضع الأول: إذا دخلت على (ما) الاستفهامية المستفهَم به عن عله الشيء, إذا دخلت كي على (ما) الاستفهامية المستفهَم بها عن علّة الشيء؛ حينئذٍ صارت (ما) الاستفهامية مجروراً بكي, (كيمه): (كي) (ما) هذا الأصل حُذِفت الألف كما حذفت من ((عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ)) [النبأ:1] لأن حرفَ الجرّ إذا دخل على (ما) الاستفهامية حُذفت الألف ثم دخلت عليها هاءُ السكت؛ قيل: كيمه؛ أي: لمه, فـ (ما) الاستفهامية مجرورة بكي, وحُذفت ألِفُها لدخول حرف الجر عليها, وجِيءَ بالهاء للسكت.