هَاكَ حُرُوفَ الجَرِّ يعني خُذ حروفَ الجر, وأرادَ أن يذكرَ لك الحروف على جهة العموم، وإلا الأصل أن يقول هاكها؛ يعني خذها، وأعاد هنا فأظهر في مقام الإضمار من باب التأكيد فحسب، وإلا ليس ثم معنى يُلتفت إليه.
هَاكَ حُرُوفَ الجَرِّ وهي: مِن؛ إلى، وهي عشرون .. عدَّها الناظم عشرين, وبعضهم زادَ وبعضهم نقصَ, وثم مسائل مُختلف فيها, هل هي حرف جر أم لا؟ وبحثُنا لن يكون في هذه المسائل إلا في (رب) لأهميتها، وما عداه يُرجع إلى الكتاب المذكور.
هَاكَ حُرُوفَ الجَرِّ وهي: عشرون حرفاً، وَهْيَ: مِنْ إلىَ حَتَّى خَلا, هنا كلّها عدّها بدون حرف العطف .. يعني بإسقاط العاطف, وقلنا مراراً أن هذا جائز في النظم .. والشعر بإجماع اتفاق، واختلفوا هل يجوزُ في النثر أم لا! وصحّحه ابن مالك رحمه الله تعالى.
هَاكَ حُرُوفَ الجَرِّ وَهْيَ مِنْ من: يُعتبر خبر لـ (هي)، هَاكَ حُرُوفَ الجَرِّ, وهي الواو واو الاستئناف، إلا انه استئنافٌ بياني، والاستئنافُ البياني هو الواقع في جواب سؤال مُقدّر.
والاستئنافُ النحوي هو ما ليس واقعاً في جواب سؤال مُقدّر, حينئذٍ لما قال هَاكَ حُرُوفَ الجَرِّ، وهذا فيه تشويق, ما هي هذه الحروف؟ كأن سَائِلاً سأله: ما هي؟
قال: هْيَ مِنْ، (هي) مبتدأ، و (من) خبر، هي يعود على حروف الجر، والحروف جمع وأقل الجمع ثلاثة, ومِن هذا لفظ واحد, حينئذٍ هل حصلَ التطابق بين المبتدأ والخبر؟ الجواب: لا لم يحصل التطابقُ بين المبتدأ والخبر؛ لأن هي قلنا هذا مدلوله جمع وهو حروف الجر.
(مِنْ) هذا حرفٌ واحد مدلوله واحد؛ لأنه يُعبّر عن نفسه, حينئذٍ هل حصلَ التطابق بين المبتدأ والخبر؟
الجواب: لا, الجوابُ عن مثل هذه المسائل نقول: هنا لاحظَ ماذا؟ العطف ملحوظ قبل الإخبار، قال: هي، ثم لاحظَ في نفسه أنه سيعطفُ على اللفظ الأول بما بعده، فأخبر بالأول, فحينئذٍ تكون في الإعراب (من) وما عُطِف عليه خبر المبتدأ, وإذا قلت مِن خبر أخطأت لأنه لم يحصل التطابق، حينئذٍ تقول من وما عطف عليه لأن الخبر كله من إلى حتى إلى قوله متى، نصف البيت والبيت الذي يليه كله هو الخبر في المعنى، لأن قال: هي أراد أن يعدَّها ويفسّر لنا ما هي هذه الحروف, قال هي من.
إذن: (مِن) وما عُطِف عليه نقول خبر، لكن وما بعده (مِن) (إلى) , تقول (إلى) معطوف على (مِن)، حينئذٍ الخبر هنا مُركّب لكن من جهة المعنى, وهي: من إذن: مِن وما عُطِف عليه خبر المبتدأ.
مِنْ إِلىَ، يعني وإلى وحتى وخلا وحاشا وعدا وفي وعن وعلى ومذ ومنذُ ورب واللام -أي مُسمّى اللام- وكي وواو -أي: واو القسم- وتاء والكاف والباء ولعل ومتى.
هذه كلها عشرون، ترك منها (لولا) فحسب لوجود النزاع بين النحاة، هنا عدَّ رب من حروف الجر، وهو حرف له مَقامه في حروف الجر، إذ له معنى خاص وإن كان هو حرف شبيه بالزائد لعدم تعلّقه بمتعلق إلا أنه يُراعى.
مذهبُ البصريين أن (رب) حرفُ جرّ, وذهب الأخفش والكوفيون إلى اسميتها؛ ليست بحرف مُتفق عليه بين النحاة، بل مذهب البصرين أنها حرف جر تجرُّ كما تجر مِن.