إذن: الموضع الأول الذي يكونُ مجروراً لـ (كي) هو (ما) الاستفهامية المستفهَم بها عن علة الشيء.
الموضع الثاني: أن يكون مدخولها (ما) المصدرية مع صلتها؛ كما في قول الشاعر:
إِذَا أَنْتَ لَمْ تَنْفَعْ فَضُرَّ فَإِنَّمَا ... يُرَادُ الْفَتَى كيْمَا يَضُرُّ وَيَنْفَعُ
كيْمَا يَضُرُّ وَيَنْفَعُ: (ما) هذه مصدرية, و (يَنْفَعُ وَيَضُرُّ) نقول هذا صلة لها حينئذٍ تؤول بالمصدر يعني بالضر والنفع؛ قاله الأخفش, وقيل: (ما) هذه كافة، لكن المشهور كيْمَا يَضُرُّ وَيَنْفَعُ, المشهور أن (ما) هذه مصدرية.
الموضع الثالث: أن وصلتها؛ أن المصدرية مع صلتها؛ سواء كانت أن ملفوظاً بها أو مقدرة, وهذا المعنى مشهور كثير, وهو يُعدّ من النواصب في باب المضارع, جئتُ كي أكرمَ زيداً, إذا قدّرتَ أن (أكرم) منصوب بإن بعد كي، حينئذٍ دخلت كي على (أن) المصدرية وصلتها؛ وهو الفعل المضارع، فأُكرِمَ فعل مضارع منصوب بأن بعد كي, وأن والفعل المقدران بمصدر مجرور بـ (كي)، والأصل فيه: جئت كي إكرام زيد, أي: لإكرام زيد, فتكونُ بمعنى اللام, والأولى أن تُقدّر كي مصدرية فتُقدّر اللام قبلها بدليل كثرة ظهورها معها (لِكَيْ لاَ تَأْسَوْا)؛ هذا سيأتينا في نواصب المضارع.
المراد هنا أن (كي) تدخل على (أن) المصدرية وصلتها, إذن: هذه ثلاثُ مواضع هي خواصّ كي, وهي في هذه المواضع الثلاث بمعنى اللام, في الجميع بمعنى اللام, كيمه؟ لمه؟ لإكرام. للضُرّ. إذن كلها قُدّرت باللام، وهي في هذه المواضع الثلاث بمعنى اللام, ويطرد جرها لأن المصدرية, هذا مطرد قياس؛ ليس بقليل, ولذلك أجازوا في نحو جئتُكَ كي تكرمني, أن تكون (كي) حرفَ جر, وأن مُقدّرة بعدها, وأن تكون مصدرية يعني كي واللام مُقدّرة بعدها, هذا سيأتي في محله.
إذن: (كي) تكون حرفَ جر في مواضع ثلاثة كما ذكرناه.
وأما (لعلّ) فالجرُّ بها لغة عُقيل خاصة دون غيرهم من العرب, ومنه قوله:
لَعَلَّ أَبِي الْمِغْوَارِ مِنْكَ قَرِيبُ.
لَعَلَّ اللهِ فَضَّلَكُمْ عَلَيْناَ ... بِشَيءٍ أَنَّ أُمَّكُمُ شَريمُ
لَعَلَّ أَبِي الْمِغْوَارِ مِنْكَ قَرِيبُ, لعلّ هذه شبيهة بالزائد مثل (رب) والحرفُ الشبيه بالزائد حينئذٍ يُؤثّر في اللفظ فحسب, ولا يُؤثّر في المعنى, والحرف الجر الشبيه بالزائد يدخلُ على المبتدأ فحينئذٍ يَبقى على أصله في كونه مبتدأ كما هو الشأن في رُبّ.
لَعَلَّ أَبِي الْمِغْوَارِ, أبي المغوار نقول هذا مبتدأ, ولعلّ دخلت عليه، حينئذٍ لا نقول: لعل حرف جر وما بعده اسم مجرور, وإنما نقولُ: لعل حرف جر وترجٍّ شبيه بالزائد، حينئذٍ لا يحتاج إلى متعلق يتعلق كما سيأتي.
أَبِي الْمِغْوَارِ: هذا مبتدأ, فله محلان؛ محلّ في اللفظ وهو أثر لعلّ, وله محلّ في الأصل، حينئذٍ ظهرَ أثر لعل في اللفظ وبقي على أصله، ولذلك قريبٌ بالرفع على أنه خبر المبتدأ, أين المبتدأ وهو مجرور بلعل؟ نقول: مجرورٌ لفظاً لا محلا, حينئذٍ في المحلّ فهو مرفوع على الابتداء, فتقول: