مصروف عنه, حينئذٍ نقولُ: كيف نقول هي توصل المعاني, وهنا في (خلا وعدا) قد فصلت تلك المعاني؟
نقول: المراد بالإيصال سواء كان على جهة الثبوت أو على جهة الانتفاء لإدخال هذه العوامل الثلاث.
إذن: المراد بإيصال حرفِ الجر معنى الفعل للاسم ربطُهُ به على الوجه الذي يقتضيه الحرف من ثبوته له أو انتفائه عنه؛ ليشملَ حروف الاستثناء التي تجرّ لأنها لتنحية معنى الفعل عن مدخُولها لا لإيصاله إليه, أفادَه الصبان.
إذن: حروفُ الجر تحتمل التسمية أمّا أنه روعي فيها المعنى فيكون المعنى المصدري هو المراد. وإما أن يكون المراد به العمل المخصوص.
إذن: هذه تسمية وهي خاصة بالبصريين, وأما الكوفيون فيسمّونها حروف الإضافة, وتُسمّى كذلك بحروف الصفات؛ لأنها تُضيف إلى ما بعدها صفات, والمراد بها الظرفية والتبيين والتبعيض ونحو ذلك, يعني: تُحدِث في الاسم صفة من ظرفية أو غيرها.
قال الناظم هنا:
هَاكَ حُرُوفَ الجَرِّ وَهْيَ مِنْ إِلَى ... حَتَّى خَلاَ حَاشَا عَدَا فِي عَنْ عَلَى
مُذْ مُنْذُ رُبَّ الَّلامُ كَيْ وَاوٌ وَتَا ... وَالْكَافُ وَالبَا وَلَعَّلَّ وَمَتَى
هذه الحروف بدأ بها الناظم هنا عدّاً, قسم الباب إلى قسمين:
أولاً: عدَّ فيها الحروفَ .. يعني ذكرَها ذكراً, جمعَها في بيتين، وهي عشرون حرفاً وزِيدَ عليه لولا، فصارت واحداً وعشرين حرفاً, ثم يشرعُ في بيان المعاني التي تتعلّقُ بهذه الحروف, ثم يذكرُ بعض المسائل التي تتعلّق بإعمال حرف الجر محذوفاً, وهل يُكفّ؟ وما الذي يُكفّ ونحو ذلك؟
ذِكرُ المعاني هنا يُذكر استطرادا ًوإلا الأصل النحاة كتبوا في حروف المعاني مؤلّفات مستقلة, ولذلك لا تُؤخَذ من هذه الكتب, ولن نَقف معها طويلاً, وإنما نذكرُ المعاني التي ذكرها الناظم فحسب، ولذلك سنمرُّ على الباب مرورَ الكرام كما يقال.
وأما المعاني على جهة التفصيل ومعرفة ما يتعلّق بكل حرف لأن بعضها يصل إلى العشرين معنى, وكل معنى قد يكون فيه خلاف وأخذٌ وعطاءٌ وإلى آخره. نقول هذه ما دام أنها موجودة في كتب مُستقلة حينئذٍ منزلتها منزلة المواريث من الفقه, لكثرة المسائل فيها والأخذ والعطاء حينئذٍ استقلّت بمؤلفات خاصة، ومغني اللبيب لابن هشام رحمه الله تعالى يُعتبَر موسوعة في هذا الجانب, فمن أرادَ الزيادة والتزود حينئذٍ يرجعُ إلى ذلك الكتاب، قد قيل أن مَن درس النحو ولم يقرأ المغني ما عرفَ النحو أبداً.
هَاكَ حُرُوفَ الجَرِّ, هَاكَ هذا اسم فعل أمر، الأصل (هَا) لوحدها بدون مد يعني بالقصر, وقيل: يُمدّ ومنه ((هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ)) [الحاقة:19] هَاؤُمُ, و (ها) نقول هذا اسم فعل أمر بمعنى خُذ, والكاف هذه حرفُ خِطاب وليست اسمية, وإنما تتصرّفُ تصرفَ الكاف في الاسمية بحسب حال المخاطب من تذكير وتأنيث وإفراد وتثنية وجمع, نقول: هاكَ هاكِ هاكُما هاكُنّ هاكُم.
إذن: يُتصرّف فيها تصرف الكاف الاسمية، وإلا فهي حرف، حينئذٍ هَاكَ نقول بمعنى خُذ وهو فعل أمر.