وَاجْرُرْ بِمِنْ إِنْ شِئْتَ غَيْرَ ذِي الْعَدَدْ وَالْفَاعِلِ الْمَعْنَى: يعني الفاعل في المعنى؛ يعني اجرره بـ (مِنْ) لفظاً؛ كل تمييز صالح لمباشرته؛ لأنها فيه معنى .. هي فيه معنى مقدرة من جهة المعنى؛ كما أن كل ظرف فيه معنى (في)؛ وبعضه صالح لمباشرتها؛ وكل تمييز فإنه صالح لمباشرة (من) إلا نوعين على ظاهر لفظ النظم؛ وهو العدد وما هو فاعل في المعنى.

قال الشارح: يجوزُ جرُّ التمييز بـ (من) إن لم يكن فاعلاً في المعنى، ولا مميزاً لعدد، فتقول: عندي شبر من أرض, وقفيزٌ من بر ومنوانِ من عسل وتمر, وغرستُ الأرض من شجر، جرى على ظاهر النظم.

يعني: كأن مراد الناظم هنا أن المحوَّل عن المفعول تدخله (مِن)، والصواب أنه كالفاعل. ولا تقول: طابَ زيد من نفس، ولا عندي عشرون من درهم، وقد يُقال بأنه .. ما وقفت على هذا، لكن قد يُعلّل بأن ثم فرقاً؛ الفاعل لا تدخل عليه (من) , وأما الممفعول فكثيرا ما تدخل عليه (مِن) الزائدة, لكن الصواب هو الأول.

وَعَامِلَ التَّمْيِيزِ قَدِّمْ مُطْلَقَا ... وَالْفِعْلُ ذُو التَّصْرِيفِ نَزْراً سُبِقَا

عامل التمييز يجبُ تقديمه على التمييز؛ بمعنى أنه يجبُ تأخيرُ التمييزِ عن عامله فلا يتقدَّمُ عليه البتة.

وَعَامِلَ التَّمْيِيزِ قَدِّمْ مُطْلَقَا هذا حالٌ من عامل التمييز، قدّم عامل التمييز، عامل هذا مفعول به مُقدَّم، وهو مضاف والتمييز مضاف إليه, وقدم هو العامل فيه.

مُطْلَقَا هذا حال من عامل التمييز, العامل في التمييز يجبُ تقديمه عليه، فيلزم وجوب تأخير التمييز، مطلقا يعني: سواء كان اسماً جامداً؛ فلا تقل: له عندي كتاباً عشرون, لا يصحّ بل يجبُ تأخيره، لماذا؟ لأن (عشرون) هذا مفرد، وهذا محل إجماع, كذلك إذا كان محوَّلاً، (نفساً طاب زيد) نقول لا يصح, (عيوناً فجرنا الأرض) لا يصح كذلك.

ولو فعلاً متصرفاً وفاقاً لسيبويه والفراء وأكثر البصريين والكوفيين؛ لأن الغالبَ في التمييز المنصوب بفعل مُتصرّف كونه فاعلاً في الأصل.

إذن قوله: قَدِّمْ مُطْلَقَا .. أعلى درجات العامل أن يكون فعلاً متصرفاً, حينئذٍ ولو كان فعلاً متصرفاً فغيره من بابٍ أولى وأحرى أن لا يتقدم عليه, وهذا وفاقاً لسيبويه وما عطف عليه، لأن الغالب في التمييز المنصوب بفعل متصرف كونه فاعلاً في الأصل, وقد حُوِّل الإسنادُ عنه إلى غيره لقصد المبالغة؛ فلا يُغيَّر عما يستحقه من وجوب التأخير لما فيه من تقديم الفاعل على عامله, وهذا لا يجوزُ عند البصريين.

لو قدّمنا التميز على العامل حينئذٍ قدّمنا ما أصله الفاعل, وإذا كان كذلك خالفنا أصلاً آخر, لما فيه من الإخلال بالأصل, أما غيرُ المتصرف؛ يشمل الجامد والاسم .. أما غير المتصرف فبالإجماع؛ يعني الجامد لا يجوز, نحو: ما أكرمَك أباً, نقول (أباً) هذا لا يجوز تقديمه؛ لأن ما أكرمك هذا صيغة تعجّب, وهي غير مُتصرفة فلا يتصرف في معمولها.

ونعمَ رجلاً زيداً؛ لا يقال (رجلاً نعم زيداً) لا يجوز لأن نعم هذا فعل جامد, وهذا محل إجماع.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015