هذا الوجه الثالث مما يجوزُ في المقدَّرات السابقة, قلنا: يجوزُ فيها النصب هذا الأصل كَشِبْرٍ أَرْضًّا, ويجوزُ فيها الجرُّ بإضافتها إلى التمييز، هنا قال يجوزُ فيها إظهار (من) , عندي شبرٌ مِن أرض, وقفيزٌ مِن بر, ومنوانِ مِن عسل، إذن فيه ثلاثة أوجه: شبرٌ أرضاً، شبرُ أرضٍ بالإضافة، شبرٌ من أرضٍ, كونه مميزاً في حالة النصب محلّ وفاق, وأما إذا ظهرت (من) أو أُضيف فمحل نزاع، إذا أضيف واضح أنه تمييز, وأمّا إذا ظهرت (من) فيحتاج!
وَاجْرُرْ بِمِنْ إِنْ شِئْتَ، وَاجْرُرْ يعني جوازاً، ليس وجوباً، لأنه يجوز إضافته ونصبه
وَاجْرُرْ بِمِنْ لفظا كلّ تمييز صالح لمباشرتها.
إِنْ شِئْتَ علّقَه بالمشيئة، هذا قرينة دالة على أن قوله اجْرُرْ المراد به التخيير.
غَيْرَ ذِي الْعَدَدْ: غَيْرَ مفعول اجْرُرْ, اجرر غير ذي عدد، وَالْفَاعِلَ الْمَعْنَى.
إذن: كلُّ تمييز صالح لأن يُباشره (مِن) فاجرره، واستثنى حالتين: مسألتين عندهم فيما إذا كان التمييز تمييزَ عدد ((أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا)) [يوسف:4] لا تقل: أحد عشر من كوكب؛ ممنوع, كذلك الفاعل المعنى، يعني تمييز النسبة إذا كان محوّلاً عن فاعل، (طاب زيد من نفس) لا يصح, بل يبقى على أصله ماذا بقي؟
المقدَّرات كلها، وذكرنا أمثلتها، بقي من النسبة ((وَفَجَّرْنَا الأَرْضَ عُيُونًا)) [القمر:12] هل يجوز أو لا؟
ظاهر كلام الناظم أنه يجوز أن يقال في غير القرآن (وفجرنا الأرض من عيون) لأنه استثنى مسألتين فقط: وهما العدد والفاعل المعنى، والصوابُ أنه يُضاف إلى الفاعل المعنى ما كان مفعولاً في المعنى.
وَاجْرُرْ بِمِنْ إِنْ شِئْتَ غَيْرَ ذِي الْعَدَدْ ... وَالْفَاعِلِ الْمَعْنَى ...
والفاعل في المعنى هذا معطوف على قوله: (ذِي) الْفَاعِلِ بالكسر .. والفاعلِ بالخفض عطفاً على (ذِي) غَيْرَ ذِي الْعَدَدْ, يعني: صاحب العدد، وَالْفَاعِلِ الْمَعْنَى، ويستثنى كذلك المحوَّل عن المفعول؛ فإنه يمتنع فيه الجر بـ (من)؛ فهذه ثلاث مسائل مستثناة.
أجاز بعضهم (شبرٌ أرضٌ) , عندي شبرٌ أرضٌ, عندي: هذا خبر، شبرٌ: مبتدأ، أرض بدل مما قبله, لكن ضعّفه الكثير.
كَطِبْ نَفْساً تُفَدْ: أصله لتطبْ نفسك, نفساً هذا تمييز محول عن الفاعل, طب نفساً, نفساً هذا تمييز، حينئذٍ هل يصح أن نقول: طبْ من نفس؟ لا, هذا مثال لأي شيء لما جاز جرّه بـ (من) أو لما امتنع؟ للثاني, لأنه مثَّلَ لما كان فاعلاً في المعنى. كطب نفساً، فلا تقل طب من نفس لأنه فاعل في المعنى, حينئذٍ نقول: إذا ألحقنا المفعول المحوَّل عن المفعول نقول الصحيح أن المحول لا يصح جرَّه بـ (مِن)؛ سواء كان محولاً عن فاعل أو عن مفعول أو عن مبتدأ, وإنما الحكمُ خاص هنا بالمفردات .. المقدَّرات السابقة.
(وَاجْرُرْ) هذا يتناول تمييز الاسم المفرد والنسبة غير المحول فقط، لكن نستثني المحول بجميع أصنافه.