واجْرُرْهُ أي التمييز بَعْدَ ذِي المذكورات وَشِبْهِهَا إِذَا أَضَفْتهَا. هذا وجه آخر يعني: يجوزُ لك في ما سبقَ النصب وهو الأصل, ويجوزُ لك الإضافة, تقولُ (له شبرٌ أرضاً) , ويجوز أن تقول: له شبرُ أرضٍ, وقفيزُ برٍّ, ومنوا عسلٍ, له شبرُ أرض, له خبر مُقدّم, وشبر مبتدأ مُؤخّر, وهو مضاف وأرض مضاف إليه, هل يُسمّى أرض هذا التمييز أو لا؟

الأكثر على أنه يُسمّى تمييزاً ويكون مجروراً, وابنُ هشام لا يرى أنه يُسمى تمييز .. خرجَ عن باب التمييز إذا أضفته.

إذن: هذا تجويزٌ من الناظم تبعاً لما تقرّرَ في لسان العرب أن التمييز المُبين للمفرد يجوزُ إضافته حينئذٍ يخرجُ عن النصب إلى الجرّ، فيكون مجروراً بعد أن كان منصوباً.

وَبَعْدَ ذِي المقدرات الثلاث وَشِبْهِهَا: فُهم منه أن التمييز بعدَ العدد لا يجيءُ بالوجهين يعني: اثْنَا عَشَرَ كَوْكَباً, لا يتصوّر هنا الإضافة, ولذلك قلتُ أن باب العدد الأصل أنه لا يدخل هنا, فيمن بوَّبَ للعدد, فالأحكام هنا خاصة بما عدا العدد؛ لأنهم سيذكره في باب مُستقلّ.

إذن: وَبَعْدَ ذِي هذا اسم إشارة خص به المذكورات، وَشِبْهِهَا أخرج به العدد, حينئذٍ العدد لا يجوز فيه الوجهان، بل يتعينُ فيه النصب فيما نصب تمييزه, والخفض فيما خفض تمييزه، وأما جواز الوجهين النصب في المخفوض أو الخفض للمنصوب فليس داخلاً معنا, إنما هو خاص بهذه المذكورات.

اجْرُرْهُ وجوباً أو جوازاً؟ قطعاً جوازاً، كيف نقول واجب؟ بل هو جوازاً.

اجْرُرْهُ يعني جوازاً، فإن أُرِيد نفسُ الآلة التي يُقدّر بها وجبَ الجرَ. يعني الآن إذا قيل مقدار .. كيل. إذا قلت مثلاً اشتريت صاعاً تمراً، المقدار يطلق ويراد به الآلة الصاع نفسه الصاع, ويراد به ما كِيل به, فإذا قلت: اشتريت صاعا تمراً, هل أنت اشتريت التمر الذي وُزِن في لصاع أم الصاع الذي يُوزَن به التمر؟

يحتمل هو, يحتمل هذا وذاك, فإذا قلت: اشتريتُ صاعاً تمراً, في أصل التركيب يُطلق الصاع ويراد به نفس الآلة, ويُطلق الصاع ويُراد به ما يكال به، يحتمل هذا وذاك.

إذا جررتَ حينئذٍ صار محتملاً، لأننا جوزنا في الوجه الأول السابق كَشِبْرٍ أَرْضًّا جوّزنا فيه الوجهين, وإذا أردنا به الآلة تعيّنَ الجرُّ, فإذا جررنا حينئذٍ صارَ مُحتملاً للصاع نفسه, وللذي كِيل به الصاع, لكن إذا أُضيف وأُريد به اسم الآلة صار على معنى اللام لا على معنى (من).

وإذا نصبنا قيلَ تعيّنَ في أن المراد به نفسُ التمرِ لا الصاع, يعني لا يُراد به الآلة.

إذن: تجويزُ الوجهين -النصب مع الجر- نقول هذا يختلفُ به المعنى, ليس هكذا، فإذا نصبنا حينئذٍ تعينَ أن يدل على أن المتكلم أراد أن عنده ما يملأ الوعاءَ المذكور من الجنس المذكور. اشتريت صاعاً تمراً، بالنصب يتعين هذا, وأما إذا جررتَه حينئذٍ يحتمل, فهو نصٌّ في المقصود, وأما الجرّ فيحتمل أن يكون مراده ذلك, وأن يكون مرادُه بيان أن عنده الوعاء الصالح لذلك؛ لأن المقدار يُطلق ويُراد به ما يُعرف به قدر الشيء من آلة مساحة أو آلة وزن أو آلة كيل ويُطلق بمعنى الشيء المقدّر بالآلة, فهو يحتمل هذا وذاك.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015