إذن: تمييز الفرد: رفعُ إبهام ما دلَّ عليه من مقدار مساحي, أو كيلي أو وزني وهو ما ذكره الناظم, ولم يذكر غيره لماذا؟ لأنه هو الأصل, الأصل في التمييز الذي يرفع إبهامَ مفرد أن يكون في المقدَّرات, وأما العددُ وإن كان كثيراً لكنه سيأتي في بابه المستقل.
قال الشارح: وهو -أي التمييز- كل اسم نكرة مُتضمِّن معنى (من) لبيان ما قبله من إجمال نحو: طاب زيد نفساً، وعند شبر أرضاً, (طاب زيد نفساً) هذا مثال لتمييز الجملة .. النسبة, و (عندي شبر أرضاً) هذا تمييز المفرد.
واحترز بقوله: مُتضمّن معنى (من) من الحال .. قلنا الأولى حذفُ كلمة مُتضمّن. من الحال فإنها مُتضمّنة معنى (في).
وقوله: لبيان ما قبله: احتراز مما تضمّنَ معنى (من) وليس فيه بيانٌ لما قبله، يعني: ليست (من) فيه بيانية؛ كاسم (لا) التي لنفي الجنس فإن (من) فيها لبيان الاستغراق .. استغراقية؛ ونحو: لا رجل قائم, لا من رجلٍ قائم, نقول: هذه (من) ليست بيانية, وإنما هي للاستغراق.
وقوله: لبيان ما قبله من إجمال يشمل نوعَي التمييز, وهما المُبين إجمال ذات, والمبين إجمال نسبة؛ فالمبين إجمال الذات هو الواقع بعد المقادير وهو الأكثر، وهي الممسوحات نحو: له شبر أرضاً، حينئذٍ نقول (أرضاً) هذا العامل فيه شبر وهو جامد, فإن قيل: كيف عمل؟ نقول: لأنه أشبهَ اسم الفاعل في الطلب يقتضي ما بعده لذلك نصبَ, والمكيلات نحو: (له قفيز براً)، والموزونات له (مَنوان عسلاً وتمرا). والأعداد نحو: (عندي عشرون درهماً) وهو منصوب بما قد فسَّره بالمفسَّر يعني، وهو (شبر وقفيز ومنوان وعشرون) , والمبين إجمال النسبة هو المسُوق لبيان ما تعلَّقَ به العامل من فاعل أو مفعول والأمثلة ما ذكرناه.
وقد لا يكونُ محوّلاً مثل: امتلأ الإناء ماءً، إذن: المبين لنسبة قد يكون محوَّلاً وقد لا يكون، المحول هو الأكثر، والضابط فيه أن يكون محولاً عن فاعل أو مفعول أو مبتدأ, وغير المحوّل هذا سماعي يحفظ في ألفاظ ولا يُقاس عليه: امتلأ الأناء ماء.
والناصبُ له في هذا النوع هو العامل الذي قبله, اختارَ خلافاً ما دلَّ عليه النظم.
قال رحمه الله:
وَبَعْدَ ذِي وَشِبْهِهَا اجْرُرْهُ إِذَا ... أَضَفْتَهَا كَمُدُّ حِنْطَةٍ غِذَا
وَالنَّصْبُ بَعْدَ مَا أُضِيفَ وَجَبَا ... إِنْ كَانَ مِثْلَ مِلْءُ الأَرْضِ ذَهَبَا
وَبَعْدَ ذِي المذكوراتُ الثلاث كَشِبْرٍ أَرْضًّا: ممسوحات, قَفِيزٍ بُرًّا: مكيلات, مَنَوَيْنِ عَسَلاً: موزونات, بعد ذي الثلاث المذكورات، وَشِبْهِهَا هو النوع الثاني الذي ذكرناه مثله ونحو ذلك, مما أجرتْهُ العربُ مجراها في الافتقار إلى مميِّز، وهي الأوعية المراد بها المقدار كذنوب ماء, وحُبّ عسل بضم الحاء، ونِحي سمناً, ورقود خلاً, وما حُمل على ذلك في كلّ مجمل الحقيقة مرفوع إجماله بما بعده, كل لفظ مُجمل يحتاج إلى كشف ورفع إبهام فهو داخل في هذا, إما أنه محمول على التمييز حقيقة, وإما أنه داخل في قوله وشبهها.
وَبَعْدَ ذِي، بَعْدَ هذا ظرف منصوب على الظرفية متعلّق بقوله اجْرُرْهُ.