ومنه ((أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مَالاً)) [الكهف:34] مالي أكثرُ منك, حُذِف مال، انفصلَ الضمير ارتفع صار (أنا)، إذن: أنا أصله الياء مالي، حُذِف المبتدأ مالي ثم انفصل الضمير، ولا يكون في محلّ رفع فجِيء بضمير مُنفصِل يكون في محلّ رفع فقال: أنا, أنا أكثر منك ماذا؟ هذا صارَ فيه إبهام, فاحتجنا إلى المبتدأ الذي حذفناهُ ورددناه لننصِبه على التمييز ليكشِفَ لنا الإبهام, مالي أكثر منك, فإن كان الواقعُ بعد أفعل التفضيل هو عينُ المخبر عنه وجبَ خفضه بالإضافة, مالُ زيدٍ أكثرُ مال, إلا إذا كان أفعل التفضيل مضافاً إلى غيره فيُنصَب، وهذا سيأتي منصوصاً عليه في قول الناظم.
وناصبُ التمييز في هذا النوع الجملة عند سيبويه هو العامل الذي تضمّنته الجملة لا نفس الجملة .. العامل الذي تضمّنته الجملة هو الناصب. طابَ زيد نفساً، (نفساً) تمييز منصوب ما العامل فيه؟ طاب هو العامل .. الفعل ماضي هو الذي عمل النصب في التمييز.
((فَجَّرْنَا الأَرْضَ عُيُونًا)) [القمر:12] عيوناً ما العاملُ فيه؟ فجّر نقول هذا هو العامل في التمييز.
((أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مَالاً)) [الكهف:34] أَكْثَرُ هو الخبر, وأكثرُ فيها معنى الفعل.
إذن: عندَ سيبويه العاملُ الذي تضمّنته الجملة لا نفس العامل، وهو الذي يقتضيه كلام الناظم كما سيأتي في هذا الباب, وذهبَ بعضُهم وهو منسوب إلى ابن عصفور إلى أن الناصبَ له نفس الجملة, وكلام الناظم هنا مُحتمِل للمذهبين؛ لأن لفظَه عام, بِمَا قَدْ فَسَّرَهْ هذا يحتمل؛ يحتمل أنه أراد به العامل الذي تضمّنته الجملة, ويحتملُ أنه أراد به نفس الجملة, ولذلك قالَ ابن هشام: أن عمومَه فيه إبطال. محتمِل للمذهبين؛ إذ يصحّ أن يقال إنه فسَّر العامل لأنه رفع إبهام نسبته إلى معموله, وأنه فسَّرَ الجملة لأنه رفعُ إبهام ما تضمنته من نسبة.
إذن: قوله اِسمٌ بِمَعْنَى (مِنْ) مُبِينٌ نَكِرَهْ هذا حدٌّ للتمييز.
قوله: يُنْصَبُ تَمْيِيزاً هذا بيانٌ لحكمه, يُنْصَبُ هذا الاسم بالقيود السابقة تَمْيِيزاً .. مميزاً, تَمْيِيزاً هذا حال من نائبِ الفاعل, يُنْصَبُ هو نائب الفاعل، تَمْيِيزاً هذا حال منه.
بِمَا قَدْ فَسَّرَهْ: بِمَا هذا جار ومجرور مُتعلّق بقوله: يُنْصَبُ، يُنْصَبُ بِمَا: يعني بالذي قد فَسَّرَهْ، كَشِبْرٍ ارْضًّا، الكاف هذه تمثيلية داخلة على محذوف كقولك: هذا شِبر أرضاً, شِبْرٍ: خبر مبتدأ محذوف، وأرْضًّا: تمييز, هذا شبر، شبر من ماذا؟ ثوب .. بساط .. أرض .. جدار؟ يحتمل هذا وهذاك, حينئذٍ قِيل أرْضًّا، جِيءَ بالتمييز ليكشف لنا إبهام مفرد؛ لأنه مُبهم .. الشبر هذا مُبهم, العامل في (أرْضًّا) هو لفظ الشبر نفسه, وهذا مثال للمساحة.
وقفيز برّاً، القولُ فيه كسابقه، قَفِيزٍ بُرًّا، بُرًّا: تمييز منصوب بقفيز, وهو مكيل.
وَمَنَوَيْنِ قلنا: تثنية منا كعصا، ويقال منٌّ ويُثنى مَنّان، وَمَنَوَيْنِ عَسَلاً وَتَمْرًا، عَسَلاً هذا هو التمييز، وَتَمْرًا هذا معطوف عليه، ولا يكون ما بعد الواو تمييزاً لأن الواو تُعتبر فاصلاً.