فإذا قيل: طاب زيد، ماذا طاب زيد؟ نفساً ((اشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا)) [مريم:4] الأصل: اشتعلَ شيبُ الرأس, مضاف ومضاف إليه, شيبُ: فاعل, اشتعلَ شيب الرأس, حُذِف الفاعل الذي هو المضاف, وأُقيم المضاف إليه مقامه, فارتفعَ ارتفاعه, اشْتَعَلَ الرَّأْسُ, اشتعل ماذا؟ حريق, أو قمل أو ماذا؟ اشتعل ماذا؟ اشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْباً, رجعنا إلى المضاف الذي حذفناه، فجئنا به فنصبناه على التمييز، فكشفَ لنا إبهام النسبة، اشتعل لوحدها لا تحتاج إلى كشف؛ لأنها واضح المعنى، الرأس لوحدها لا تحتاج إلى كشف, ما الذي يحتاج إلى كشف؟ النسبة .. العلاقة بين الفعل والفاعل, ولذلك نقول: النسبة هي الارتباط بين العامل والمعمول, اشتعلَ لوحده لا يحتاج إلى كشف, رأس لوحده واضح معلوم ليس فيه إبهام, لكن لما نسبتَ الاشتعال إلى الرأس حينئذٍ احتملَ؛ اشتعال ماذا؟ فاحتملَ أكثر من معنى فاحتجنا إلى التمييز فقال: اشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْباً.
((وَفَجَّرْنَا الأَرْضَ عُيُونًا)) [القمر:12] فجّرنا عيون الأرض, هذا محول عن مفعول, ((وَفَجَّرْنَا الأَرْضَ عُيُونًا)) , فجرنا عيونَ الأرض, فُعِل به ما فُعِل بسابقه، قيلَ فجّرنا الأرض هذا يحتمل، عيوناً رفعنا الإبهام والذي وقعَ في النسبة فجّرنا، التفجير واضح, والعيون فجرنا الأرض، والأرض واضح، لا يحتاج إلى كشف، لكن فجرنا الأرض ماذا؟ هذا محتمل أنهاراً عيوناً غير ذلك حينئذٍ نقول: احتجنا إلى التمييز, ولذلك إذا نظرتَ إلى المعنى فجَّرنا عيون الأرض، فجّرنا الأرض عيوناً، أيهما أبلغ؟
هو لا شكّ القرآن أبلغ، لكن لو قيل في غير القرآن؟ فجرنا الأرض عيوناً كأن الأرض كلها صارت عيوناً, لكن فجرنا عيون الأرض .. عيون الأرض فقط العيون العين الجارية، حينئذٍ نقول (فجرنا عيون الأرض) هذا أدنى في المعنى من قوله ((وَفَجَّرْنَا الأَرْضَ عُيُونًا))
إذن: تمييز الجملة يأتي لرفع إبهامِ ما تضمّنته من نسبة العامل إلى المعمول, ثم هو على ثلاثة أنحاء، والمشهور أنه إما محوّل عن فاعل كما ذكرناه في طاب زيد نفساً, وإما محوّل عن مفعول كما في ((وَفَجَّرْنَا الأَرْضَ عُيُونًا)) [القمر:12].
قيل: قد يكونُ محوّلاً عن غيرهما, وذلك بعد أفعل التفضيل المخبَر به عن ما هو مُغايِر للتمييز يعني عن المبتدأ, مثل: زيدٌ أكثرُ منك علماً, أصله علمُ زيدٍ أكثر, زيد أكثرُ منك علماً, علمًا أصله مبتدأ, عِلمُ زيدٍ أكثر, حُذِف علمُ الذي هو المبتدأ فصارَ زيد هو المبتدأ, زيدٌ أكثر، أكثرُ ماذا؟ هذا احتملَ صارَ فيه إبهام أكثر منك ماذا؟ علماً فجئنا بالمبتدأ الذي حذفناه فنصبناهُ على أنه تمييز لرفع إبهام النسبة.