وأُجيبَ بأن التمييز لما فسَّر إبهام نسبة الفعل إلى فاعله أو مفعوله فكأنه الفعل فسَّرَ نفسه فكان التمييز منصوباً به، لأنه الذي يصح أن يكون عاملاً. يعني: أرادوا الاعتذار للناظم هنا بأن العمومَ ليس مراداً, فإذا فسَّر التمييزُ الجملةَ كأنه في المعنى فسّر الفعل. يعني من أجل أن نردّ مراد الناظم هنا في كون الناصب للتمييز .. تمييز الجملة هو الفعل, قالوا: لما أكَّدَ التمييز الجملة والأصل في الجملة ما هو؟ هو الفعلُ أو ما جرى مجرى الفعل, فكأنه أكَّدَ نفس الفعل, هذا فيه تعسّف, والصواب أنه عامّ ولكنه ليس مراداً لما سيأتي من كلامه.
اِسمٌ بِمَعْنَى مِنْ مُبِينٌ نَكِرَهْ ... يُنْصَبُ تَمْيِيزاً بِمَا قَدْ فَسَّرَهْ
ونقول المبهم المفتقِر للتمييز نوعان: جملة ومفرد, بما قد فسَّره, التمييز نوعان: رافع لإبهام مُفرد, ورافع لإبهام نِسبة, والمراد بالنسبة المعنى الذي ربطَ الفعل بالفاعل أو بالمفعول به .. النسبة التي يُريدها المناطقة هنا؛ الارتباط بين المسند والمسند إليه, الارتباط بين المبتدأ والخبر، ثَم ارتباط هذا يُسمى نسبة يأتينا في باب الإضافة مزيد توضيح.
المفرد هنا المراد به في باب التمييز ما يشمل أربعة أنواع:
الأول: العدد ((إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا)) [يوسف:4] أَحَدَ عَشَرَ يُعتبر مفرداً هنا وإن كان مركباً في غير هذا الباب, وهذا كما ذكرنا لا يتعرّض له النحاة هنا عند من بوَّبَ للعدد بباب مُستقل، وسيأتي في محله.
النوع الثاني: المقدار، وهو ثلاثة أشياء إما مساحة كَشِبْرٍ ارْضًّا, أو كيل: كـ قَفِيزٍ بُرًّا, أو وزن كـ وَمَنَوَيْنِ عَسَلاً, تثنية مَنا كعصا, ويقال فيه مَنٌّ ويثنى, فيقال فيه مَنّان, مَنّانِ تثنية من, وهو لغة في مَنا كعصا.
إذن: الثاني المقدار وهو إما مساحة أو كيل أو وزن وهي التي مثل لها الناظم في قوله: كَشِبْرٍ ارْضًّا مساحة, وَقَفِيزٍ بُرًّا، وهذا مثال للكيل, وَمَنَوَيْنِ عَسَلاً، هذا مثال للوزن.
الثالث: ما يُشبِه المقدار، ليس مقداراً، وإنما يشبه المقدار، يعني ألفاظ أجرتها العرب مُجرى المقدار .. ألفاظ المقدار، يعني السابقة كقفيز أو شبر أو منوين، أجرتها مجرى هذه الألفاظ في الافتقار إلى التمييز، نحو: مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً, نقول هذا مثقال يُعتبَر من المقادير، ليس حقيقة وإنما مما أشبه المقادير.
ونِحْيٌ سَمناً، نِحيٌ بكسر النون وإسكان الحاء، هذا أشبه ما يكون بوزن عندهم معين ((وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا)) [الكهف:109] يعني ما كان فيه معنى أو دلَّ على المثلية كما عبَّر ابن هشام في غير موضع, ما دلَّ على المثلية أو دلَّ على المغايرة: إن لنا مثلها إبلاً, إن لنا غيرَها إبلاً.