يُنْصَبُ تَمْيِيزاً بِمَا قَدْ فَسَّرَهْ التمييز فسَّر الاسم المفرد, وهو شبر مثلاً أو قفيز أو منوين، هذا محلُّ وفاق بين النحاة؛ أن العامل في التمييز المفرد هو اللفظ الذي قبله وإن كان جامداً إلا أنه أشبهَ اسم الفاعل في كونه طالباً لما بعده, وسبقَ أن العامل إنما عمل لكونه يقتضي ما بعدَه ليُتمّم معناه, وهنا وقعَ إبهام كما هو الشأن في الفعل نفسه, فوقعَ إبهام: عشرون فصارَ هذا اللفظ طالباً لما بعده على أنه رافعٌ لإبهامه فنصَبَه على التمييز, وهذا محلّ وفاق, ناصبُ التمييز في هذا النوع مميَّزه, مميَّزه بالفتح بلا خلاف, وعمل مع جموده كونه جامداً ليس وصفاً لشبهه اسم الفاعل في الطلب المعنوي لمعموله, وهذا داخِل في قول الناظم هنا: يُنْصَبُ تَمْيِيزاً بِمَا -يعني: بعامل- قد فسَّره التمييز, فسَّر فيه ضمير مستتر وفيه ضمير الذي هو الهاء, الهاء يعودُ على (ما) اسم الموصول, وفسّرناها بالعامل, وفسَّر الضمير المستتر فيه ضمير يعود على التمييز يعني: كأنه قال: يُنصَب تمييزاً بعامل قد فسَّر التمييزُ ذلك العامل, وحينئذٍ شمِلَ المفرد وهذا محلّ وفاق, كَشِبْرٍ ارْضًّا, وبقي معنا الجملة وهذا محلّ نزاع, إذا قيل: طابَ زيد نفساً؛ نفساً: هذا تمييز لنسبة, هل العاملُ فيه هو الفعل السابق في الجملة أو نفس الجملة؟ جمهورُ النحاة تبعاً لسيبويه أنه الفعل الذي تضمّنتهُ الجملة، ومذهب ابن عصفور ومن تبعه أنه مضمون الجملة, ونسبَه للمحققين, حينئذٍ ظاهرُ كلام الناظم هنا أي المذهبين؟ بِمَا قَدْ فَسَّرَهْ, هو فسّر الجملة, إذن: صارَ منصوباً بالجملة, صار منصوباً بالجملة لا بالفعل أو شبه الفعل الذي تضمّنته الجملة, وهذا يُنافي ما اختاره في هذا الباب هو نفسه, ولذلك قال:

وَعَامِلَ التَّمْيِيزِ قَدِّمْ مُطْلَقَا إذن دلَّ على أنه يختارُ أن الفعل هو الذي عمِلَ في تمييز الجملة, ولذلك ابن هشام لما أوردَ هذا البيت في الأوضح قال: وقد بطلَ عمومُه بكون العامل في تمييز الجملة هو الفعل لا الجملة نفسُها؛ لأن قوله: بِمَا قَدْ فَسَّرَهْ عامٌّ يشملُ تفسيرَه للمفرد, فالمفردُ عامل فيه, ويشمل تفسيره للجملة, فالجملة عاملةٌ فيه, وليس الأمر كذلك, بل الصواب أن العاملَ في تمييز الجملة هو الفعلُ الذي تضمّنته الجملة.

عباراته عامة وليسَ مراداً بها العموم؛ لأنه يقتضي أن ناصب تمييز النسبة هو النسبة بين المسند والمسند إليه، يعني مضمون الجملة؛ لأنها هي المفسَّرة به –بالتمييز-، وذلك غير مراد حتى للناظم, وإن اختارَ هو في غير هذا الكتاب مذهبَ ابن عصفور, لكنه في هذا الكتاب لا. سيأتي معنا ذلك.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015