إذن نقولُ: القسم الأول من المؤكِّدة، أن تؤكد عاملها، وهي كل وصف وافق عامله؛ إما معنى دون لفظ؛ كالمثال الذي ذكرَه الناظم: و (لاَ تَعْثَ فِي الأرضِ مُفْسِدَا).؛ لأن الإفساد والعثو بمعنى واحد, حينئذٍ وافَقَه في المعنى دون اللفظ, ((فَتَبَسَّمَ ضَاحِكًا)) [النمل:19] ضَاحِكاً حال مؤكِّدة لتبسَّم، لأنه معلوم منه إذ الابتسام نوع من الضحك, ((ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ)) [التوبة:25] مُدْبِرِينَ: حال مؤكِّدة للعامل وَلَّيْتُمْ, ولى وأدبر بمعنى واحد, ولّى زيد يعني فرّ، وأدبرَ يعني فرّ, حينئذٍ اختلفا في المادة واتحدا في المعنى, أو معنىً ولفظاً نحو: ((وَأَرْسَلْنَاكَ لِلنَّاسِ رَسُولًا)) [النساء:79] هذه مؤكدة لعاملها.
أو مؤكِّدة لصاحبها، وهذه لم يذكرها الناظم, كقوله تعالى: ((لَآمَنَ مَنْ فِي الأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا)) [يونس:99] (مَنْ) صيغة عموم, فتدلُّ على كل الأفراد, لو لم يقل جَميِعاً لما أفادت الجمع؟ أفادت أم لا؟ لو لم يقل جميعاً في غير القرآن أفادت، لأنها لفظٌ يُفيدُ العموم فيَصدُق على كل الأفراد, فلما قالَ: جميعاً, "كلّ الناس جاءوا جميعاً" مثلاً, فنقول "جميعاً" هذا حال مؤكِّدة لصاحب الحال.
وهنا ((لَآمَنَ مَنْ فِي الأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا)) (مَنْ) فاعل, (آمَنَ) فعلٌ ماضٍ, (كُلُّهُمْ) تأكيد لـ (ـمَنْ)، (جَمِيعًا) هذا منصوب على الحال. حينئذٍ نقول هذه مؤكِّدة لصاحبها.
والثالث: مؤكِّدة لمضمون الجملة، وهي التي عناها بقوله: وَإِنْ تُؤَكِّدْ جُمْلَةً فَمُضْمَرُ.
إذن قولُه: وَعَامِلُ الْحَالِ بِهَا قَدْ أُكِّدَا مُراده القسم الأول من أنواع الحال المؤكدة، وهي ما أكَّدت عاملها سواء وافقته في اللفظ والمعنى ((وَأَرْسَلْنَاكَ لِلنَّاسِ رَسُولًا)) [النساء:79]، أو وافقته في المعنى دون اللفظ.
وَعَامِلُ الْحَالِ هذا مبتدأ, (عَامِلُ) مضاف و (الْحَالِ) مضاف إليه.
بِهَا قَدْ أُكِّدَا، قد أُكِّد بها, (قَدْ) حرف تحقيق, (أُكِّدَا) الألف للإطلاق, (بِهَا) جار ومجرور متعلق بـ أُكِّدَا, هنا تقدّم معمول الفعل المؤكَّد, والأصل فيه المنع, لأن ما بعد (قد) الأصل لا يعملُ فيما قبلها, حينئذٍ (بِهَا) نقول متعلق بـ (أُكِّدَا) , والضمير يعود إلى عامل الحال.
وَعَامِلُ الْحَالِ بِهَا قَدْ أُكِّدَا أين الخبر؟ جملة قَدْ أُكِّدَا.
فِي نَحْوِ هذا جار ومجرور مُتعلِّق بقوله: أُكِّدَا.
فِي نَحْوِ قولك: (لاَ تَعْثَ فِي الأرضِ) هي في الأرض أصلُها, نُقلت حركةُ الهمزة إلى اللام في الَارض, ليس في الأَرض.
(لاَ تَعْثَ فِي الاَرْضِ مُفْسِدَا): مُفْسِدَا هذا حال من الفاعل تَعْثَ, يقال: عثا يعثو عثواً, وعثا يعثى عثىً, يعني بالواو وبالألف المنقلِبة عن ياء.
وذهبَ الفراء والمبرد والسهيلي إلى أن الحال لا تكونُ إلا مؤسِّسة, فالحالُ عندهم قسمٌ واحدٌ فحسب، وليست منقسمة إلى نوعين: مؤسِّسة ومؤكِّدة.