وأنكروا أن تكونَ مؤكِّدة لعاملها، وتأوَّلوا الأمثلة حتى جعلوها من أمثلة المؤسِّسة, حينئذٍ الحال عندهم قسم واحد فحسب، ليست مؤكِّدة, لأنها إنما جيء بها لبيان هيئة إما الفاعل وإما المفعول وإما المضاف إلى آخره, حينئذٍ ما دلَّ على بيان هيئة أو جيءَ للدلالة على الهيئة، فالأصلُ فيه أنه يكون مُفيداً لا يُستغنى عنه بدونه, يعني لا يمكن أن تُفيد الجملة بعد ذهاب الحال مثلما ولو وجدت الحال فيستويان .. هذا ليس عندهما, ولاَ تَعْثَ فِي الاَرْضِ مُفْسِدَا، هذا مُؤوَّل حتى يجعلوها حالاً مؤسِّسة.
ولم يتعرَّضوا لإنكار المؤكّدة لصاحبها لأنها مما ولَّدَه المتأخرون .. وليسوا بمتأخرين إنما هُم من المتقدمين, إذن: لم يُنكروا الحال المؤكِّدة لصاحبها؛ لأنها غير معروفة عند المتقدمين.
وَعَامِلُ الْحَالِ بِهَا قَدْ أُكِّدَا ... فِي نَحْوِ لاَ تَعْثَ فِي الاَرْضِ مُفْسِدَا
تنقسمُ الحال إلى مؤكِّدة وغير مؤكِّدة, -هكذا قال الشارح-, فالمؤكِّدة على قسمين, وغير المؤكِّدة ما سوى القسمين, المؤكِّدة على قسمين هذا عندَ المتأخرين ليسَ مقبولاً، وإنما هي ثلاثة أقسام:
فالقسمُ الأول من المؤكِّدة: ما أكَّدت عاملها، وهي المراد بهذا البيت, وهي كل وصف دلَّ على معنى عامله وخالفَه لفظاً، وهو الأكثر, أو وافقه لفظاً وهو دون الأول في الكثرة, مثالُ الأول: (لاَ تَعْثَ فِي الأَرْضِ مُفْسِدَا) , ومنه: ((ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ)) ((وَلا تَعْثَوْا فِي الأَرْضِ مُفْسِدِينَ)) الإفساد والعثو بمعنى واحد.
ومن الثاني قوله: ((وَأَرْسَلْنَاكَ لِلنَّاسِ رَسُولًا)) ((وَسَخَّرَ لَكُمُ)) ثم قال: ((مُسَخَّرَاتٍ)) هذا مما تعدَّد فيه صاحب الحال وجُمِعت الحال, أصلُه: سخَّرَ لكم الليل والنهار والشمس والقمر والنجوم مُسخَّراً مُسخَّراً مُسخَّراً مُسخَّراً مُسخَّراً, هذا الأصل, فقيل: مُسَخَّرَاتٍ جُمِع هذا الأصل من باب الاختصار.
وَإِنْ تُؤَكِّدْ جُمْلَةً فَمُضْمَرُ ... عَامِلُهَا وَلَفْظُهَا يُؤَخَّرُ
هذا هو القسم الثاني من الحال المؤكِّدة، وهي المؤكِّدة لمضمون الجملة يعني ما دلَّت عليه الجملة.
وَإِنْ تُؤَكِّدْ الحال هي تؤكِّد .. تؤكَّد تؤكِّد.
جُمْلَةً هذا مفعول به.
فَمُضْمَرُ عَامِلُهَا فمُضمرٌ عاملُها, إذن تقعُ الحالُ هنا بعد جملة, واشتُرطَ في هذه الجملة أن يكون جزءاها معرفتين, وأن يكونا جامدين, وأن تكون جملة اسمية.
وَإِنْ تُؤَكِّدْ جُمْلَةً إذن ليسَ على إطلاق الجملة, وإن كانت الجملة تشملُ الجملةَ الفعلية والجملةَ الاسمية, لكن الجملة الفعلية هي التي عناها بقوله:
وَعَامِلُ الْحَالِ بِهَا قَدْ أُكِّدَا ... فِي نَحْوِ لاَ تَعْثَ فِي الاَرْضِ مُفْسِدَا