* أنواع الحال من حيث التأكيد وعدمه
* الأصل في الحال أن تكون مفردة وقد تكون جملة بشروط.
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحمَنِ الرَّحِيمِ
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد:
قال الناظم رحمه الله تعالى:
وَعَامِلُ الْحَالِ بِهَا قَدْ أُكِّدَا ... فِي نَحْوِ لاَ تَعْثَ فِي الاَرْضِ مُفْسِدَا
وَإِنْ تُؤَكِّدْ جُمْلَةً فَمُضْمَرُ ... عَامِلُهَا وَلَفْظُهَا يُؤَخَّرُ
هذا شروع منه بعد أن أنهى الكلام على الحال المؤسسة, الحال عند النحاة على قسمين:
حال مؤسسة, وحال مؤكِّدة. الحال المؤسِّسة هي الأصل, قالوا: وهي التي لا يُستفاد معناها بدونها؛ بدونها يعني إذا سقطت حينئذٍ سقط معناها الذي جيء به من أجلها, فإذا قيل: جاء زيد راكباً, راكباً هذه حال مبينة مؤسسة, لو حذفتها "جاء زيد" ما استفدنا المعنى الذي دلّت عليه "راكباً" من اللفظ بعد إسقاطها, "جاء زيد راكباً". هي التي لا يستفاد معناها بدونها, إذن لا بد من ذكرها, وهذه هي التي مضت من أول الباب إلى البيت الأخير السابق يتعلق بالحال المبينة وهي المؤسسة.
والمؤكِّدة -وهي النوع الثاني- وهي التي شرعَ فيها الناظم هنا, وهي التي يُستفاد معناها بدونها, لأن التأكيد المراد به التقوية, والمؤكِّد والمؤكَّد الأصل يكون المؤكِّد زائداً على المؤكَّد, حينئذٍ لو أسقط المؤكِّد حينئذٍ دلّ المؤكَّد على المعنى الذي دلّ عليه المؤكِّد. إذن لم نستفد منها إلا مجرّد التقوية فحسب. وهي التي يُستفاد معناها بدونها, وهذه المؤكِّدة عند النحاة على ثلاثة أنحاء:
مؤكِّدة لعاملها, ومؤكِّدة لصاحبها, ومؤكِّدة لمضمون الجملة, هذه ثلاثة أنواع وإن كان في بعضها نزاع.
الأول: إما مؤكِّدة لعاملها, وهي كلّ وصف وافقَ عامله؛ إما معنى دون اللفظ، أو وافقه في اللفظ والمعنى معاً, يعني إذا جاءَ لفظ الحال موافقاً للعامل؛ إما أن يوافقَه في اللفظ والمعنى؛ وإما أن يوافقه في المعنى فحسب, كالمثال الذي ذكره الناظم هنا: (لاَ تَعْثَ فِي الاَرْضِ مُفْسِدَا).
لاَ تَعْثَ: (لاَ) هذه ناهية, تَعْثَ: هذا فعل مضارع أصله تعثو, فِي الاَرْضِ: متعلّق به, مُفْسِدَا: هذا حال من الفاعل؛ لا تعث أنت مفسداً, نقول: عثى يعثو بمعنى أفسد, حينئذٍ مُفْسِدَا ما الذي زاده على المعنى؟
نقول: هذا معلوم من قوله: (لاَ تَعْثَ فِي الاَرْضِ)؛ لأن لا تعث المراد به لا تفسد في الأرض, فمُفسداً نقول هذا أكَّد معنى عامل الحال, ووافقه في المعنى دون اللفظ.
وقد تكون مؤكِّدة له وموافقة له في اللفظ والمعنى معاً, ((وَأَرْسَلْنَاكَ لِلنَّاسِ رَسُولًا)) [النساء:79] أرسلناك رسولاً, رسولاً حال مؤكِّدة, مؤكِّدة لأي شيء؟ للعامل الذي هو وأرسلناك من لفظه ومعناه, لو أُسقط؛ وأرسلناك للناس: معلوم أنه أُرسِل للناس رسُولاً، ما دام أنه أُرسل حينئذٍ لزِمَ منه أن يكون رسولاً, إذن يُستفاد معناها بدونها.