إذن هذه ثلاث صور داخلة تحت قوله: وَغَيْرِ مُفْرَدِ أن يكونُ صاحب الحال متعدداً والحال مُجتمعة، "وَسَخَّر لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَآئِبَينَ". الثاني: أن يكون بتفريقٍ مع إيلاء كلٍّ منهما صاحبه، لقيتُ مُصعِداً زيداً مُنحدِراً، أن يكون بتفريق مع عدمِ إيلاء كلِّ منهما صاحبه، لقيت زيداً مصعداً منحدراً .. فيه خلاف، الصواب أن يُجعَل الحال الأول للثاني والحال الثاني للأول.
قال الشارح: يجوزُ تعدّدُ الحال وصاحبها مُفرد أو مُتعدّد، فمثال الأول "جاء زيد راكباً ضاحكاً"، هنا الحال من زيد مُتعدّدة وهو راكب وضاحك، هذان معنيان مختلفان، "جاءَ زيدٌ راكباً ضاحكاً" حالان متعددان، وإذا قلتَ مثلاً: "اشتريتُ الرمان حلواً حامضاً"، حلواً: حال، وحامضاً: حال، في معنى واحد؟ نعم؛ حلواً حامضاً: هذا يُسمّونه المزّ عندهم، كأنك قلت: "اشتريتُ رماناً مُزّاً"، حينئذٍ صارَ في معنى واحد، أما (راكباً وضاحكاً) هذا نقول: حال مُتفرّقة في المعنى. فراكباً وضاحِكاً حالان من زيد والعامل فيهما جاءَ، وشرطُه أن لا يكونَ بطريق العطف، لا بدّ من التقيد، ومثالُ الثاني "لقيتُ هنداً مُصعداً مُنحدرةً"، هذا واضح أن الثاني حال من الثاني، ومُصعداً حال من الأول، فمُصعداً من التاء، ومُنحدرةً: حال من هند والعامل فيهما لقيتُ، ومنه قولُه:
لَقِيَ ابْنِي أَخوَيه خَائِفَاً ... مُنجِدَيهِ فَأَصَابُوا مَغنَمَاً
ابْنِي خَائِفَاً، أَخوَيه مُنجِدَيهِ، إذن خائفاً: حال من ابْنِي، ومُنجِدَيهِ: حال من أَخوَيه، فعندَ ظهورِ المعنى تُردّ كل حال إلى ما تليقُ به، وعندَ عدمِ ظهورِه يُجعَل أولُ الحالين لثاني الاسمين، وثانيهما لأول اسمين، لما ذكرناه من العلة السابقة. ففي قولك: لقيتُ زيداً مُصعِداً مُنحدِراً، مُصعِداً: حال من زيد، ومُنحدِراً: حال من التاء، وقيلَ: اجعلْ كلّ حالٍ بجانب صاحبه، "لقيتُ مُنحدراً زيداً مُصعداً"، هذا قول، والصواب ما ذكرناه أولاً؛ أنه يُجعل الأول للثاني والثاني للأول.
نقفُ على هذا والله أعلم. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم ... !!!