إذن قد تكونُ الحال مُتعدّدة، وصاحبها مُفرداً، وقد تكون مُتعدّدة وصاحبها مُتعدّد كذلك، ولذا قال: غَيْرِمُفْرَدِ، وغير المفرد شمِلَ ثلاث صور، يدخلُ تحتَ قوله: غَيْرِمُفْرَدِ ثلاثُ صور: الأولى أن يكون صاحبُ الحال مُتعدِّداً والحال مجتمعة، مثل قوله تعالى: "وَسَخَّر لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَآئِبَينَ" {14/ 33} الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ .. دائبةً دائباً، هذا الأصل، فإذا اتحدَ لفظُ الحال ومعناها وجبت التثنية والجمع، إذا قلتَ: رأيتُ زيداً راكباً راكباً، راكباً: حال من زيد، راكباً الثانية: حال من الفاعل، إذن تعدّدَ صاحبُ الحال، لكونه فاعلاً ومفعولاً، وتعدّدت الحال، اتحدت في اللفظ والمعنى، وهنا لا يصحُّ أن يُقال: راكباً راكباً، وإنما يجبُ تثنية تقول: رأيتُ زيداً راكبين، ومنه ((دَآئِبَينَ)) أصلها دائبةً دائباً، فوجبت التثنية فقيل: ((دَآئِبَينَ)).
إذن تعدّد صاحبُ الحال والحال مُجتَمعة، يعني: في لفظٍ واحد، لكنها في المعنى مُتعددة، والاجتماعُ هذا فرعُ الاختصار الحاصل من قوله: دائباً ودائبةً.
إذن: إذا اتحدت الحال وهي المتعددة في اللفظ والمعنى وجبَ التثنية والجمع. هذه الصورة الأولى.
الصورة الثانية: أن يكونَ بتفريقٍ، يعني: مُتفرّقة الحال مع إيلاءِ كلٍّ منهما صاحبه، لقيتُ مُصعِداً زيداً مُنحدِراً، عندنا (مصعِداً) و (منحدِراً)، مُصعِداً: حال من الفاعل، ومُنحدِراً: حال من المفعول به، تضعُ كلّ حال بجانب صاحبها، تُفرّقها؛ فتقول: لقيتُ مُصعداً أنا، حالٌ مني، زيداً مُفعول به مُنحدراً، أنا طالع وهو نازل، هذا المراد، لقيتُ مُصعداً زيداً مُنحدراً. إذن تفرّقت الحال وتعددت وصاحبُ الحل كذلك مُتعدّد إلا أنك فرقتَ الحال لم تجمعها سواءً معاً.
الصورة الثالثة: أن تجمع كلاً منهما على حدة، لقيتُ زيداً مُصعداً مُنحدراً، جمعتَ صاحب الحال بعضهم لبعض وقلت: مُصعِداً منحدراً, مُصعداً مُنحدراً هنا إذا تعدّدت الحال وتعدّدَ صاحب الحال فإما أن تدلَّ قرينةٌ على التوزيع، حال لمن هذه؟ لو قال: لقيتُ هنداً مُصعِداً مُنحدرةً هذا واضح، مُصعِداً: حال من الفاعل ومنحدرة: بالتأنيث حال من هند، لكن "لقيتُ زيداً مصعداً منحدراً"، من المصعد ومن المنحدر؟ هذا محتمل، الجمهورُ على أن الحال الأولى للاسم الثاني، ما هو الاسم الثاني؟ المفعول به زيداً، والحال الثانية للأول، يعني: ليست على الترتيب، لقيتُ زيداً منحدراً, مُنحدِراً: حال من زيد، ومُصعِداً: حال من الفاعل، لماذا؟ قالوا: تخفيفاً للفساد الحاصل؛ لأنكَ لو جعلتَ الأولى للأول فصلتَ بين صاحب الحال والحال بأجنبي، وإذا جعلتَ الثانية للثاني فصلتَ بين الحال وصاحب الحال بالحال التي من الأول، لكن تخفيفاً لهذا الفساد نُعطي الأولى للاسم الثاني. إذن اتحدا. "زيداً منحدراً" هنا حصلَ اتصالُ الحالِ بصاحب الحال، ووقعَ الفصلُ بين الحال وصاحب الحال في الأولى، هذا أولى؛ تخفيف، ارتكابُ أدنى المفسدتين فنقول: هذا تخفيف بأن يُجعَل الحالُ الأولى للاسم الثاني والحال الثانية للاسم الأول؛ لئلا يفصلَ بين الأحوال.