فَاعْلَمْ لمَ قال: فَاعْلَمْ؟ أتى بها لردّ قولِ ابن عصفور وهو منعُ تعدّد الحال من المفرد. ابن عصفور النحوي الشهير صاحب الشرح المقرب منعَ تعدّد الحال من مفرد فلا يُقال: "جاء زيد راكباً ضاحكاً". منعَ ابنُ عصفور هذا النوع ما لم يكن العاملُ فيه أفعلَ التفضيل، نحو "هذا بُسراً أطيب منه رطباً"، السابق يعني: المتوسّط بين حالين، والثاني عنده نعت للأول، إذا جاءَ مثل هذا التركيب عنده؛ إذا منعَ التعدد الحال فماذا يقول في "جاء زيد راكباً ضاحكاً", ضاحكاً ما إعرابه؟ الجمهورُ على أنه حال ثانية، وعنده إما إنه نعتٌ، وإما إنه حال من الضمير المستتر في الحال؛ لأن راكباً الأولى مثلاً اسم فاعل، واسم الفاعل يرفعُ ضِميراً مستتراً. إذن الحالة الثانية ليست حالاً من زيد، جاء زيدٌ ضاحكاً، ضاحكاً: حال لزيد، راكباً: ليس حالاً من زيد، وإنما حال من الضمير المستكن في اسم الفاعل الأول الحالة الأولى، وهذه يُعبَّر عنها .. يجوز عند النحاة يُعبّر عنها بالحال المتداخِلة، متداخلة أن تكون كل حال ممكن تتعدّد إلى عشرة، وكلّ حال تكون حالاً من الضمير المستكن في الحال السابقة، فإذا قال: "جاء زيد ضاحكاً راكباً قائماً نائماً"، فهذه كلها أحوال، الأخير حالٌ من الضمير المستكن في الذي قبله، والذي قبله حالٌ من الضمير المستكن في الذي قبله، وتبقى معنا حالٌ واحدة فقط، وهذا ذهبَ إليه ابن عصفور، وهو جائزٌ عند بعض النحاة على أن يُجعَل الحال الثانية مُتداخلة مع الحالة الأولى، ويُعبّر عنها بما ذكر، لكن قياسه ومنعه فيه نوع فساد. والثاني عنده نعتٌ للأول أو حال من الضمير فيه وعلة المنع .. لمَ منع؟ قال: قاسوا الحال على ظرف الزمان والمكان، وهذا غريب .. الحال أشبهُ ما يكون بالخبر أو النعت، بل التفريق بين الحال والنعت فيه نوعُ صعوبة، حينئذٍ يُعدَل عن تشبيه الحال بما هو أقربُ إليها، بل قد يكون من جنسِها إلى شيء بعيد وهو ظرف المكان، وظرف الزمان هذا فيه بُعد، فكما أن الشيءَ الواحد والشخصُ الواحد لا يكون في مكانين وزمانين، هذا يمتنعُ عقلاً، قالوا: كذلك لا يكون له حالان، وهذا بعيد، وغريب من ابنِ عصفور أن يقول هذا، لماذا؟ لأنه إذا قيل: الحال وصفٌ في المعنى فلا يمنع العقل أن يكون للشخص الواحد مائة وصف، هذا غير ممنوع، لكن كونه في مكانين في زمانين في وقت واحد هذا ممنوع. إذن فرقٌ بين المكان والزمان وبين الوصف.
إذن قوله: فَاعْلَمْ لردّ قول ابن عصفور. وَغَيْرِ مُفْرَدِ ما المراد به هنا؟ قَدْ يَجِيءُ ذَا تَعَدُّدِ لِمُفْرَدٍ فَاعْلَمْ وَغَيْرِ، وَغَيْرِ معطوف على مفردِ الأول، غَيْرِ مُفْرَدِ يعني: أن يكون التعدّد لصاحب الحال.