إذن لا استثناء في القاعدة:
وَعَامِلٌ ضُمِّنَ مَعْنَى الْفِعْلِ لاَ ... حُرُوفَهُ مُؤَخَّراً لَنْ يَعْمَلاَ
سواءً كان ظرفاً أو جاراً ومجروراًَ لا استثناء في القاعدة.
وأجازَ ذلك الفراء والأخفش مُطلقاً، أجازوه مُطلقاً، الإطلاق هنا يُفسَّر بما سيأتي من مذهب الكوفيين، وأجازَه الكوفيون فيما كانت الحال فيه من مُضمَر، إذا كانت الحال فيه من مُضمَر من ضمير جازَ تقديم الحال على الظرف أو الجار والمجرور، أنتَ قائماً في الدار، أنتَ: مبتدأ، في الدار: خبر، قائماً: حالٌ من الضمير المستكن في الدار، جازَ تقديمه على في الدار لكون المسند إليه مُضمَر، يعني: ضمير، أي: من مُضمَر، مرجعه مُضمَر، فقائماً: حال من الضمير المستكن في العامل الذي هو الجار والمجرور، ومرجعُهُ أنت .. أنت قائماً في الدار، وقيل: يجوزُ بقوّة إن كان الحالُ ظرفاً أو حرفَ جرّ، ويضعُفُ إن إن كان غيرهما، وهذا تفصيل، لكنه ليسَ عليه التعويل، ويضعُف إن كان غيرهما وهو مذهبُه في التسهيل، يعني: مذهبَ ابن مالك رحمه الله تعالى، ومحلّ الخلافِ في جواز تقديم الحال على عاملها الظرف إذا توسَّطَ، وأما تقديمه لا، يعني: سَعِيدٌ مُسْتَقِرّاً فِي هَجَرْ كونه متوسطا بين المبتدأ والخبر هو محل الخلاف، وأما مستقراً سعيدٌ في هجر فهذا محلّ إجماع لا يجوز، والمشهورُ عند النحاة أنه شاذّ يُحفظ ولا يقاس عليه؛ لأن القاعدة أن العاملَ المعنوي ضعيف، والضعيف لا يَقوى أن يُتصرَّف فيه معموله بالتقديم والتأخير، وما سُمِع قليل لا يصلح أن يكون استثناءً من القاعدة العامة. فإن تقدَّمَ على الجملة نحو (قائماً زيدٌ في الدر) امتنعت المسألة قيل: إجماعاً، وقيلَ في حكاية الإجماع نظر، ليس بصحيح، حيث أجازَ الفراء في قول القائل: فداءً لك أبي وأمّي، جوّزَ الفراء أن يكون فداءً حالاً، والعاملُ فيه: لك، فداءً لك أبي وأمي، أبي: مبتدأ مؤخّر، ولك: خبر مقدم، فداءً: حال من الجار والمجرور، لكَ فداءً، جوّزَ تقديم الحال هنا وهو فداء على لك، وهو يقتضي جواز التقديم على الجملة عنده إذا تقدّمَ الخبر، وأجازَه ابن برهان فيما إذا كان الحال ظرفاً نحو "هُنَالِكَ الْوَلَايَةُ لِلَّهِ الْحَقِّ" {18/ 44} فهنالك: ظرفٌ في موضع الحال، والولاية مبتدأ، ولله خبر. إذن هذا خلاف عند النحاة.
وإذا تقدّمَ على المبتدأ قيل بالإجماع المسألة ممتنعة، لكن ذكرنا خلافَ ابن برهان والفراء وغيره.
إذن:
وَعَامِلٌ ضُمِّنَ مَعْنَى الْفِعْلِ لاَ ... حُرُوفَهُ مُؤَخَّراً لَنْ يَعْمَلاَ
كَتِلْكَ لَيْتَ وَكَأَنَّ وَنَدَرْ ... ........................