وَنَدَرْ يعني: قلّ أو شذَّ، وهو الأحسنُ؛ لكن ابن مالك لا يُعبّر بـ (ندر) عن (شذّ) إلا في النادر، وإذا قال: ندر أو قلَّ حينئذٍ يُحمَل على أنه مسموع قليل، ومحتمل للقياس عليه، لكن الظاهر أنه شاذّ، نَحْوُ سَعِيدٌ مُسْتَقِرّاً فِي هَجَرْ، مُسْتَقِرّاً قيل: هذه حالٌ مؤكِّدة، وعليه فالمراد بالاستقرار العام، مُسْتَقِرّاً ما المراد بالاستقرار خاص أو عام؟ إذا قيل بأنها حال مؤكِّدة حينئذٍ نقول: المراد بالاستقرار العام، وقال بعضُهم: مُسْتَقِرّاً أي: ثابتاً غير متزلزل، فهو خاصّ إذ لو كان عامّاً لم يظهر. يعني قوله: مُسْتَقِرّاً هل نفسِّره بالاستقرار العام أو الاستقرار الخاص؟ لو كان عامّاً لما ذُكِر، ولذلك نفسّره بالاستقرار الخاص.
إذن نقول: يجبُ تأخيرُ الحال من الأبيات الثلاثة السابقة في ستّ مسائل، يجبُ تأخير الحال، لا يجوزُ أن تتقدّمَ على عاملها في ستّ مسائل، وكلها مأخوذة من الأبيات الثلاثة السابقة:
الأول: أن يكون العاملُ فعلاً جامداً؛ لأنه قيّدَه هنا قال: بِفِعْلٍ صُرِّفَا. إذن الجامد لا يجوزُ أن تتقدم الحال عليها، ما أحسنَه مُقبِلاً.
الثاني: أن يكون صفةً تشبه الفعل الجامد، وهو اسم التفضيل، نحو هذا أفصحُ الناس خطيباً، هنا لا يجوزُ أن تتقدّمَ الحال على العامل وهو اسم التفضيل.
الثالثة: أن يكونَ مصدراً مُقدّراً بالفعل وحرف مصدري، نحو أعجبني اعتكافُ أخيكَ صائماً، أعجبني اعتكاف أخيك أي أن يعتكف هو مؤوّل بالمصدر.
رابعاً: أن يكون اسم فعل نحو نَزالِ مسرعاً، قلنا: هذا فيه معنى الفعل وحروفه، ولكن لا يجوزُ أن يتقدّم، لماذا؟ لأنه ليس فعلاً ولا صفةً.
الخامس: أن يكون لفظاً مُضمّناً معنى الفعل دون حروفه، مثل العشرة التي ذكرناها: اسم الإشارة وما عُطِف عليه، وذكرَ الناظم ثلاثة. ((فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَةً)) خَاوِيَةً: حال، والعامل فيها تلك، فهو اسمُ إشارة لا يجوزُ تقديمه على العامل.
السادس: أن يكون عامِلاً، لكن عرَضَ له مانع، يعني: فعلٌ مُتصرّف دخلت عليه لامُ الابتداء أو لامُ القسم، أو كان العامل فيه فعلا دخلَ مع حرف مصدري، والصفة المشبهة أن تكون صلةً لـ (أل). إذن في الأصل أنه يعمل لكن عرَضَ له مانع.
إذن: هذه ستُّ مسائل لا تتقدّم الحال على عاملها.