إذن المراد بالعامل المعنوي: اللفظ الذي يعملُ بسبب ما يتضمّنهُ من معنى الفعل مثل تلك وما عُطِف عليها.
وَنَدَرْ نَحْوُ سَعِيدٌ مُسْتَقِرّاً فِي هَجَرْ، نَدَرْ هذا كالاستثناء مما سبقَ، الأصل فيه أنه لا يتقدّمُ الحال على العامل المعنوي، وَنَدَرْ أي قل، وبعضهم قال: شذَّ، وفرق بينهما، إذا قيل: قلَّ بمعنى أنه موجود في لسان العرب، وأنه قليل، ويحتملُ أن يُقاس عليه، القياسُ عليه محتمل، إذا قيل: نادر وقليل، هذا القياسُ عليه محتمل، وأما الشاذّ فلا يُقاسُ عليه. نَدَرْ أي قلّ، وقيل: شذّ، قلَّ ماذا؟ نَحْوُ سَعِيدٌ مُسْتَقِرّاً فِي هَجَرْ، سَعِيدٌ مبتدأ، فِي هَجَرْ جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر، مُسْتَقِرّاً حال من الضمير المستتر في هَجَرْ؛ لأن (فِي هَجَرْ) قلنا: هذا جار ومجرور، وهو متعلّق بالاستقرار، لما حُذِف الاستقرار انتقلَ الضمير منه إلى الظرف وإلى الجار والمجرور، حينئذٍ نقول: فِي هَجَرْ فيه ضمير مستكن هو فاعل، يعودُ على سعيد، مُسْتَقِرّاً حال منه، حالٌ من ذلك الضمير الذي يعودُ على سعيد.
إذن ما العامل هنا؟ العاملُ هو فِي هَجَرْ، وهو عاملٌ معنوي، هنا تقدّمَ الحال على الظرف، هذا يُعتبَر استثناءً من القاعدة السابقة:
وَعَامِلٌ ضُمِّنَ مَعْنَى الْفِعْلِ لاَ ... حُرُوفَهُ مُؤَخَّراً لَنْ يَعْمَلاَ
وهنا عمِلَ (فِي هَجَرْ) في مُسْتَقِرّاً، هل نقول: يُستثنى حرفُ الجرّ وكذلك الظرفُ لكونهما يُتوسَّع فيهما ما لا يُتوسّع في غيرهما، حينئذٍ إذا نصبا الحال جازَ تقديم الحال عليهما أو نقول: هذا شاذّ يُحفَظ ولا يُقاس عليه؟ محل نزاع بين النحاة، وهنا عبّرَ بندر يعني أن ما ذُكِر قليل، وَنَدَرْ نَحْوُ سَعِيدٌ مُسْتَقِرّاً عندك أو سعيد مُستقرّاً في هجر، ندرَ تقديم الحال على عاملها الظرف والمجرور المخبر بهما، إذا وقعا خبراً عن المبتدأ، وفصلَ هذه المسألة عما قبلها وما بعدها وإن كانت مثلها؛ لأنه قد سُمِع فيه تقديم الحال على عاملها بخلاف السابق, السابق المنعُ حصلَ استنباطاً من النحاة، أنه كتلك وليت وكأنّ وأسماء الإشارة وحروف النداء والتنبيه نقول: هذه كلها استنباط واجتهاد من النحاة أنه لا يتقدّم عليه الحال. أما هذا فقد سُمع حينئذٍ هل يُقاسُ عليه أم لا؟ وندر تقديمُه على عاملها الظرف والمجرور المخبَر بهما. توسّطُ الحال بين صاحبه وعامله إذا كان ظرفاً أو جاراً ومجروراً مُخبَراً به أجازَه الأخفش بكثرةٍ، يعني: جعلَه مَقيساً عليه كأنه أصل، ولذلك قالَ: بكثرةٍ يعني: عاملَه مُعاملة الأصل، فيجوزُ حينئذٍ كما تتقدّمَ الحال على العامل المتصرّف والصفة المشبهة، حينئذٍ يجوزُ تقديمُ الحال على العامل المعنوي بشرطِ أن يكون ظرفاً أو جارّاً ومجروراً وقعَ خبراً عن مُبتدأ، ليس على إطلاقه.
وَنَدَرْ نَحْوُ سَعِيدٌ مُسْتَقِرّاً فِي هَجَرْ فما وردَ من ذلك مسمُوعاً قالوا: يُحفَظ ولا يُقاس عليه، ولذلك فسَّر بعضُ الشراح قول ابن مالك هنا نَدَرْ بمعنى شذَّ، وإذا كان شذَّ حينئذٍ يُحفَظ ولا يُقاس عليه، وَنَدَرْ يعني: ما وردَ من ذلك مسموعاً يُحفَظ ولا يُقاس عليه. هذا هو مذهب البصريين؛ أن هذا شاذٌّ يُحفظ ولا يُقاس عليه.