وَمُخْلِصًا زَيْدٌ دَعَا، زَيْدٌ: مبتدأ، ودَعَا: فعل ماض، وفاعله ضمير مستتر جوازاً تقديره هو يعود على زيد، والجملة في محلّ رفع خبر المبتدأ، وَمُخْلِصًا هذا حال مِن فاعل دَعَا، وهذا فيه تقديمُ معمول الخبر الفعلي على المبتدأ، وهذا محلّ نزاعٍ عند النحاة؛ إذا كان الخبر فعلاً سواءً كان مضارعاً أو ماضياً أو أمراً مُتعلّق معموله، هل يتقدّم على المبتدأ أو لا؟ يتقدّمُ عليه دون المبتدأ لا إشكال فيه، ولذلك اعتُرِض على الناظم هنا، قيل: لو قال: زيدٌ مخلِصاً دعا لأتى بالمقامين، مثَّلَ لتقديم الحال على العامل زيد مخلصاً دعا، دعا مخلصاً، تقدمت الحال، وجاءَ على قول الجمهور من منعِ تقديم معمول الخبر على المبتدأ، لكن تقديمُه هنا إما أن يُقال أنه من باب الضرورة وإما أن يُقال بأنه رأى جوازَ تقديم معمول الخبر الفعلي على المبتدأ، ومخلِصاً زيدٌ دعا، كذلك هذا يتضمّنُ صورتين، مادام أنه جازَ على رأي من جوّزَ تقديم معمول الخبر الفعلي على المبتدأ حينئذٍ "زيد مخلصاً دعا" من بابٍ أولى وأحرى، ومخلصاً: حال متقدمة، والذي سوّغَ تقديمه .. هو الأصل، لكن جاءَ كونه فعلاً متصرّفاً حينئذٍ لم يمتنع تقديمها.
في البيتين لفٌّ ونشرٌ مُشوشّ؛ لأنه قال: إِنْ يُنْصَبْ بِفِعْلٍ صُرِّفَا أَوْ صِفَةٍ أَشْبَهَتِ الْمُصَرَّفَا، قدّمَ الفعل المتصرف لأنه الأصل، ثم ثنّى بالصفة؛ لأنها فرع، ثم مثّلَ لماذا؟ للصفة وأخّرَ مثال الفعل، والأصل أن يمثّل للفعل أولاً ثم يأتي بمثال للصفة، وهذا جرى على قوله تعالى: ((يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ)) بدأ بالثاني، هذا يُسمّى لفّاً ونشراً مُشوّشاً.
وَالْحَالُ إِنْ يُنْصَبْ بِفِعْلٍ صُرِّفَا ... أَوْ صِفَةٍ أَشْبَهَتِ الْمُصَرَّفَا
فَجَائِزٌ تَقْدِيْمُهُ كَمُسْرِعَا ... ذَا رَاحِلٌ وَمُخْلِصًا زَيْدٌ دَعَا
"خُشَّعًا أَبْصَارُهُمْ يَخْرُجُونَ" {54/ 7} أي نوع هذا؟ أينَ الفعل؟ خُشّعاً: هذا حال؟ اسم فاعل؟ إذن هو حال خُشّعاً، إذن الحال قد يكون مُفرداً وقد يكون جمعاً. ((خُشَّعًا أَبْصَارُهُمْ يَخْرُجُونَ)) أينَ صاحب الحال؟ الواو. يخرجون خُشّعاً، أَبْصَارُهُمْ هذا فاعل لاسمِ الفاعل ((خُشَّعًا أَبْصَارُهُمْ يَخْرُجُونَ)) هنا لم يعتمد فكيف رفعَ؟ أليس هو مثل: فَجائِزٌ تَقْدِيْمُهُ كيف رفعَ خشعاً؟ وهو لم يعتمد على نفي ولا استفهام؟ سيأتي أن اسم الفاعل لا بد من الاعتماد، لكن اعتمادُه في باب المبتدأ على جهة الخصوص، وهو كونُه أن يعتمد على نفي أو استفهام، أما في العمل مُطلَقاً هذا لو كان فاعلاً أو خبراً مُسنداً أو نحو ذلك يجوزُ أن يعملَ مُطلقاً، وهنا اعتمد لأنه مسبوقٌ بـ (يَخْرُجُونَ خُشَّعًا) إذن هو حال. إذا جاءَ اسم الفاعل حالاً عمِلَ، من مسوغات العمل أن يكون حالاً، وأن يكون خبراً؛ سواءً كان خبراً في الأصل أو خبراً لكان أو خبراً لإن .. إلخ. وهذا سيأتي في اسم الفاعل.