إذن خُشّعاً هنا كونه حالاً صارَ مُعتمداً؛ لأنه لا بدّ من عامل، وهو الآن مُتقدّم حقيقةً أو أن رتبته التأخير؟ إذن هو مُعتمِد يخرجون خشّعاً أبصارهم، هذا هو التركيب، فخشّعاً حال، حينئذٍ يعملُ فيما بعده.
قال الشارح: يجوزُ تقديمُ الحال على ناصبها إن كان فعلاً مُتصرّفاً، أما غير المتصرف فهو ما لزِمَ لفظ الماضي، والمتصرّف ما استُعمِل ماضياً أو مضارعاً وأمراً. أو صفةً تشبه الفعل المتصرف، والمراد بها ما تضمّنَ معنى الفعل وحروفه، وقبِلَ التأنيث مِن غير قيد، ليسَ قبل التأنيث فحسب، لا من غير قيد؛ لأن أفعل التفضيل .. اسم التفضيل يقبل التأنيث، لكن بقيد أن يكون محلى بـ (أل) أو مضافاً، والتثنية والجمع كذلك أفعل التفضيل يقبله لكن بقيد أن يكون محلًى بـ (أل) أو مضافاً، كاسم الفاعل واسم المفعول والصفة المشبهة؛ فمثال تقديمه على الفعل المتصرف (مُخْلِصًا زَيْدٌ دَعَا)، فدعا: فعل متصرف، وتقدّمت عليه الحال، ومثال تقديمِه على الصفة المشبهة نحو (مُسْرِعَا ذَا رَاحِلٌ)، ذَا رَاحِلٌ صفة مشبهة، إلا إذا قصدَ بها الثبوت، اسم الفاعل إذا قُصِدَ به الثبوت حينئذٍ صحّ أن يُعتبر صفةً مشبهة، على كل هو محتمل؛ ما جاء زنة فاعل إذا قُصِد به الحدوث فهو اسم فاعل، وإذا قُصِد به الثبوت حينئذٍ عُومِل معاملة الصفة المشبهة، لكن ليسَ هو الأصل فيه، رَاحِلٌ يعني ذاهب، وهذا حدوث الظاهر يُنظر فيه.
فإن كان الناصب لها فعلاً غير متصرف لم يجز تقديمُه عليه فتقولُ: ما أحسنَ زيداً ضاحكاً، لا يصحّ التقديم؛ لأن فعلَ التعجب غير مُتصرّف فهو جامد، وما كان غير مُتصرّفٍ لا يُتصرّف في معموله، وكذلك إن كان الناصبُ لها صفة لا تشبه الفعل المتصرف كأفعل التفضيل لم يجز تقديمه عليه؛ لأنه لا يُثنى ولا يُجمع ولا يُؤنث، ليس على إطلاقه، وإنما ما لم يحلى بـ (أل) أو يضف، فلم يتصرّف في نفسه فلا يتصرف في معموله، (زيدٌ ضاحكاً أحسنُ من عمرو)، لا يجوزُ؛ بل يجب تأخير الحال فتقول: زيدٌ أحسنُ من عمرو ضاحكاً، وهذا إلا ما سيأتي استثناؤه:
وَنَحْوُ زَيْدٌ مُفْرَداً أَنْفَعُ مِنْ ... عَمْروٍ مُعَاناً .............................
هذا مُستثنى، وأما أفعل التفضيل فالأصل أنه لا يعمل.
قال رحمه الله تعالى:
وَعَامِلٌ ضُمِّنَ مَعْنَى الْفِعْلِ لاَ ... حُرُوفَهُ مُؤَخَّراً لَنْ يَعْمَلاَ
كَتِلْكَ لَيْتَ وَكَأَنَّ وَنَدَرْ ... نَحْوُ سَعِيدٌ مُسْتَقِرّاً فِي هَجَرْ