إذاً: لا يسند إلا إلى الاسم، هذه قاعدة، إذا جاءنا مثل هذا التركيب لا بد من تأويله، فحينئذٍ نقول: تسمع بالمعيدي خيرٌ من أن تراه، فتسمع هذا منسبك مع أن المحذوفة بمصدر، أي سماعك، أين: أن؟ محذوفة، وإذا حذفت: أن ارتفع الفعل، الأصل أن تسمع، وإذا قلت أن تسمع حينئذٍ صار سماعك؛ لأن: أن وما دخلت عليه في تأويل مصدر، والمصدر اسم، إذاً: صح الإخبار أو لا؟ صح الإخبار، وقد جاء في أفصح الكلام، أي: ((وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ)) [البقرة:184] خير: هذا خبر، وهو مسند، أين المسند إليه؟ نقول: موجود، أين هو؟ أن وما دخلت عليه في تأويل مصدر، صومكم أو صيامكم خير لكم.
((وَأَنْ تَصْبِرُوا خَيْرٌ لَكُمْ)) [النساء:25] صبركم خير لكم، أن تسمع بالمعيدي، حذفت: أن، فارتفع الفعل: تسمع، فحينئذٍ لا بد من القول بأن: تسمع هنا في قوة المصدر، وإن حذفت أن، فحينئذٍ نقول: الإخبار هنا بقولنا: خير في المثل عن مصدر، والمصدر لا يكون إلا اسماً، من علامات الأسماء كونه مصدراً.
إذاً: تسمع منسبك مع أن المحذوفة بمصدر، والأصل: أن تسمع، أي: سماعك، فحذفت أن ورفع المثل، وحذف أن مع رفع الفعل ليس قياسياً، وإن كان مخالفاً للقياس، وحسَّن حذفها وجودها في أن تراه، تسمع بالمعيدي خيرٌ من أن تراه، لما وجدت أن في الطرف الأخير سوغ حذفها من أولها، روي هذا المثل بوجه آخر: أن تسمع على الأصل .. أن تسمع بالمعيدي خيرٌ من أن تراه، فيه إشكال؟ لا إشكال فيه، وروي بالنصب على إضمار أن: تسمعَ بالمعيدي خيرٌ من أن تراه، وهذا يقوي الوجه الأول، تسمع بالنصب، يعني: ضُمِّن أو قدِّر أن ووجد أثرها بعد حذفها، وهذا شاذ سيأتي في باب النواصب أنه شاذ.
لكنه لما روي بهذا وذا وذاك، حينئذٍ بمجموع هذه الأمثلة نقول: يتقوى القول بأن: خيرٌ: خبر عن اسم، سواء قلنا سماعك أو لا، لا بد من تأويل تسمع باسمه على أي وجه كان.
وروي بالنصب على إضمار أن؛ لأن المضمر في قوة المذكور بخلاف المحذوف، لكن نصبه على إضمارها في مثل ذلك شاذ كما سيأتي في بابه.
وهذا المثل للرجل الذي له صيت في الناس لكنه محتقر المنظر، وأما قولهم: زعموا: مطية الكذب، هذا مثل ضرب زيد، ضرب: فعل ماضي، زعموا مطية الكذب، مطية: خبر، وهو مسند، أين المسند إليه؟ زعموا، زعموا: هذه جملة فعل وفاعل، هل هي مسند إليه؟ نعم، مسند إليه، لماذا؟ قصد لفظها.
لا حول ولا قولة إلا بالله: كنز من كنوز الجنة، كنز، فكنز: هذا خبر مسند، إذاً: أين المسند إليه؟ لا حول ولا قوة إلا بالله.
ونقف على هذا، والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ...