هذه الأربع الجمل إذا قيل: قام القومُ خلا زيداً، عدا زيداً، ليس زيداً، لا يكون زيداً، الجملة ما محلها؟ موضعُ جملة الاستثناء من هذه الأربع نصبٌ على الحال، هذا المشهور، إذن قامَ القومُ خلا زيداً، نقول: الجملة في محلِّ نصب حال، وعدا زيداً: في محلِّ نصب حال، ولا يكون وليس: في محلّ نصب حال، حينئذٍ يَرِد الإشكال في (خلا وليس وعدا): أن الجملة الحالية -كما سيأتي- إذا كانت ماضوية وجَبَ اقترانها بـ (قد)، حينئذٍ ما الإشكال هنا؟ (خلا زيداً) إذا قلنا: حال لا بدّ أن ندخل عليها (قد): قد خلا زيداً، قد عدا زيداً، قد ليسَ زيداً، وأما (لا يكون) فهي مضارعية فلا إشكال، وأما الماضوية فلا بدّ من إدخال (قد) عليها، ولم تقترن بـ (قد) في ليسَ وخلا وعدا مع كونهما ماضوية لاستثناء أفعال الاستثناء، سيأتي أن ثَم خلاف في دخول قد على الجملة الحالية إذا كانت أفعال الاستثناء، وبعضهم استثناها، حينئذٍ إذا استُثنيت لا إشكال، إذن دخول (قد) على الجملة الماضوية إذا وقعت حالاً في غير أفعال الاستثناء فلا اعتراض حينئذٍ، ومحلُّ ذلك الأفعال المتصرِّفة.
وقيلَ: مُستأنفة لا موضعَ لها، نقول: لاستثناء أفعال الاستثناء، أو يقالُ: محلُّ ذلك الأفعال المتصرفة لا الجامدة، إذن يُجابُ بعدمِ دخول (قد) على خلا وعدا وليس، وهي في موضع نَصبٍِ على الحال مع كونها ماضوية، إما أن يُقال باستثناء أفعال الاستثناء، وإما أن يُقال بأن قد تُشترَط في الأفعال المتصرِّفة وأما الجامدة فلا، وقيلَ: مُستأنفة لا موضعَ لها، يعني: غير مُتعلِّقة بما قبلها في الإعراب، وإن تعلَّقت به في المعنى، تقول: قامَ القوم خلا زيداً، لا محلَّ لها من الإعراب، لا محل لها من الإعراب يعني: لا علاقة لها بما قبلَها، وإذا قيل بأنها في موضع حال حينئذٍ صارت الجملةُ مُرتبطة بما قبلها؛ لأن العاملَ في موضع الحال هو (قام)، وإذا قيلَ: لا موضع لها حينئذٍ انفصلت من جهة الإعراب لا من جهة المعنى؛ لأن المعنى تابع لا يمكن أن تنفصل، ونبَّه بقوله: (وَبِيَكُونُ بَعْدَ لاَ) وهو قَيدٌ في (يكون) فقط على أنه لا يُستعمَل في الاستثناء من لفظ الكون غير (يكون) -غير مضاف ويكون مضاف إليه- وأنها لا تُستعمَل فيه إلا بعد (لا) على جهة الخصوص دون (لم، وإن، ولن، ولما، وما).
وَاجْرُرْ بِسَابِقَيْ يَكُونُ إِنْ تُرِدْ ... وَبَعْدَ مَا انْصِبْ وَانْجِرَارٌ قَدْ يَرِدْ
(سَابِقَيْ يَكُونُ) وهما: خلا وعدا، ليس ولا يكون واجبُ النصب، وأما خلا وعدا فلهما حالان: إما أن يتجرَّدا عن (ما) المصدرية، حينئذٍ فيهما وجهان: الجرُّ والنصبُ، والنصبُ أرجح، والدليل على ذلك: أن هذا رأي ابن مالك أنه عدَّها مع ليس ولا يكون، فدلَّ على أن النصب بها أرجحُ من الجرّ.
الوجه الثاني فيما إذا لم تتقدَّم عليها (ما) المصدرية: الجر، حينئذٍ لك حالان: "قامَ القوم خلا زيداً"، "قامَ القوم خلا زيدٍ"، حرفُ جرّ .. سيأتي عدُّها من حروف الجر، "قامَ القوم عدا زيداً" بالنصب، "قامَ القوم خلا عدا زيدٍ"، بالجرّ، إذن جازَ فيها الوجهان والنصبُ أرجح.