ولو أُلغيت (إلا)، كـ "ما أعجبني أحد إلا زيدٌ وجهُهُ" فالمعنى صحيح ثابت.
ومثال بدل الاشتمال "ما سرّني أحد إلا زيدٌ إلا أدبُه إلا علمُه إلا خلقُه"، ما سرّني أحد إلا زيدٌ، إلا زيداً، بدل أو النصب؟ النصبَ على الاستثناء ويجوز فيه الإتباع، إلا أدبه، (إلا) هذه مُؤكِّدة وجودُها وعدمُها سواء، يعني لم تُفد تأسيساً؛ لم تُفد استثناءً بعد استثناء، حينئذٍ نقول: هي مُؤكِّدة، وما بعدها: اشتمال مما قبله.
"ما سرّني أحدٌ إلا زيدٌ أدبُهُ"، كما تقول "أعجبني زيدٌ علمُه"، علمُه: بدل اشتمال مما قبله، ومثالُ بدلِ الغلط "ما أعجبني إلا زيدٌ إلا عمروٌ" غَلِط، عمرٌو زيدٌ هذا بدل غلط، حينئذٍ نقولُ ما أعجبني إلا زيد، زيد: فاعل، ما أعجبني إلا زيد، إلا عمرو، (إلا) مُلغاة، وعمرو بدل غلط مما سبقَ، سيأتي بدل الغلط هل هو من فصيح الكلام أولا؟
قيل أنه من اصطناع النحاة، لو قيل "ما أعجبني أحد إلا زيد إلا عمر"، ما أعجبني أحدٌ إلا زيد، زيد: مُستثنى من السابق حينئذٍ نقولُ الوجهُ إعرابه بدل بعض من كل، "ما أعجبني أحد إلا زيد، عمرو" (إلا) عمرو، (إلا) مُلغاة وعمرو هذا بدل غلط مما سبق. وَأَلْغِ إلاَّ يعني لا تنصب، ذَاتَ تَوْكِيدٍ، يعني صاحبة توكيد، تقوية، التوكيد في اللغة من إثبات الشيء بقوة، وهذا سبقَ معنا، التوكيد بمعنى التقوية.
كَلاَ تَمْرُرْ بِهِمْ إِلاَّ اَلْفَتَى: هذا مُستثنى من الضمير المجرور (بالباء)، (إِلاَّ) زائدة لمجرّد التأكيد، اَلْعَلاَ: بدل كل من الفتى، والتقدير إلا الفتى العلا، وهذا مماثِل لما قبلَها.
إذن نقول: ضابطُ (إلا) التوكيدية أنها تأتي في بابين اثنين فحسب، وذلك إذا سبقَها (واو)، قامَ القومُ إلا زيداًَ وإلا عمرواً، نقول (إلا) هذه مُلغاة للتأكيد.
ثانيا: تأتي في باب البدل بأنواعه الأربعة: بدل كل، بدل بعض، بدل اشتمال، بدل غلط.
قال الشارح: وَأَلْغِ إلاَّ ذَاتَ، إذا كُرِّرت إلا لقصد التوكيد لم تؤثّر فيما دخلت عليه شيئا؛ لا من جهة المعنى ولا من جهة الإعراب، كيف من جهة المعنى ونحن نقول تفيدُ التوكيد؟
لم تؤثّر فيه شيئاً، المعنى الذي جِيء بها في هذا الباب هو إفادة الاستثناء وهو الإخراج، حينئذٍ هل أفادت هذا المعنى؟
الجواب: لا، إذا لم تُفد حينئذٍ العرب لا تزيد حرفاً واحداً، ليس كلمة إلا، لا تزيد حرفاً واحداً إلا لمعنى، ولذلك القاعدة المشهورة: زيادة المبنى تدل على زيادة المعنى غالباً، وهذا واضح بين، إذا كان حرف واحد، ولذلك نقولُ في البسملة: رحمن أبلغ من رحيم لماذا؟ لأن "رحمان" على خمسة أحرف، فعلان يدلُّ على الامتلاء، كغضبان وشبعان، ورحيم هذا على أربعة أحرف، فعيل.
إذن زيادة المبنى تدلُّ على زيادة المعنى؛ فكيف بـ (إلا) وهي كلمة مُستقلّة، فالأصل في وضعها في هذا الباب أن تُفيدَ الإخراج، وهو الاستثناء، إذا لم تُستعمَل في هذا المعنى، حينئذٍ لا شك أنها استُعمِلت في معنى؛ لأنه لا يقول دخولها وخروجها من حيث المعنى واحد لا، لا يقولون هذا، وإنما المراد دخولها وخروجها من حيث الاستثناء لا من حيث مُطلق المعنى، هذا يلتبسُ على الطلاب، وإذا جاءت مسألة الحرف الزائد في القرآن أقاموا الدنيا.