أدوات الاستثناء .. عرفنا الاستثناء، نقول: له أدوات ثمانية: منها ما هو حرف، ومنها ما هو اسمٌ، ومنها ما هو فعل، ومنها ما هو مشتركٌ بين الحرفية والفعلية.
حرفان وهما: (إلا) عند الجميع و (حاشا) عند سيبويه، (إلا) عند الجميع باتفاق يعني.
وفعلان وهما: (ليس) و (لا يكون)، (ليس) على الصحيح، و (لا يكون) هذه محل وفاق.
ومترددان بين الفعلية والحرفية، وهما: (خلا) عند الجميع، و (عدا) عند سيبويه.
واسمان، وهما (غير) و (سوى) بلغاتها.
إذاً: هي أربعة أقسام من حيث الجملة: حرفٌ، واسمٌ، وفعلٌ، ومشترك بين الحرف والفعل.
مَا اسْتَثْنَتِ الاَّ: قدم الكلام على الاستثناء بـ (إلا) لأنها هي الأصل، وغيرها يُقدر بها، ولذلك بدأ بها فقال: مَا اسْتَثْنَتِ الاَّ، مَا: مبتدأ، واسْتَثْنَتِ الاَّ .. الاَّ: قُصِد لفظه وهو فاعل، والمراد (الاَّ) هنا الاستثنائية لا الوصفية، إذ قد تقع (إلا) موقع غير، فحينئذٍ يوصف بها تكون نعتاً لما بعدها: ((لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا)) [الأنبياء:22] يعني: غير الله، فحينئذٍ صار ما بعدها (الله) مرفوع على العارية، وإلا الأصل: (إلا) بمعنى: غير، وهي وقعت نعتاً في هذا التركيب، والمراد هنا (إلا) الاستثنائية التي يقع بها الاستثناء لا الوصفية.
مَا اسْتَثْنَتِ الاَّ: مَا: مبتدأ هي اسمٌ موصولٌ، اسْتَثْنَتِ: هذه جملة الصلة لا محل لها من الإعراب، والعائد محذوف، ما استثنته (إلا) وهذا جائزٌ كما سبق معنا.
مَا اسْتَثْنَتْهُ إِلاَّ مَعْ تَمَامٍ يَنْتَصِبْ، يعني: مع كلامٍ، تَمَامٍ بمعنى: التام، غيرِ مُفَرَّغٍ موجباً كان أو غير موجب، يَنْتَصِبْ: هذا خبر مَا.
هنا البحث في باب (إلا) بأن يُقال: ينقسم الكلام عندهم في هذا المحل إلى تامٍ ومفرغ، ويعنون بالتام: ما ذُكِرَ فيه المستثنى منه، والمستثنى منه قد يكون فاعلاً، وقد يكون مفعولاً به، وقد يكون مجروراً: قام القوم إلا زيداً، القوم: مستثنىً منه، ووقع فاعلاً، ما رأيت القوم إلا زيداً، القوم: مستثنىً منه ووقع مفعولاً به، ما مررت بالقوم إلا زيدٍ .. إلا زيداً، بالقوم: وقع مجروراً.
إذاً: إذا ذكر المستثنى منه في التركيب سمي تاماً .. سمي الكلام تاماً، بقطع النظر عن كونه منفياً أو لا، هذا إذا ذكر المستثنى منه، وإن حذف في الكلام سمي مُفرَّغاً، يعني: فُرغ العامل لما بعد (إلا) مثل ماذا؟ ما قام إلا زيدٌ .. ما رأيت إلا زيداً، ما مررت إلا بزيدٍ، نقول: أين القوم؟ حذفت في الجميع، هذا يسمى استثناءً مُفرَّغاً، وهذا الاستثناء المفرَّغ لا يكون إلا منفياً، لا يكون موجباً، لا يُقال: قام إلا زيد، رأيت إلا زيداً، فهذا لا يُقال، وإنما يُقال: ما رأيت، وما قام، وسيأتي علته.