والاستثناء الذي يعتبر كلاماً تاماً وهو ما ذُكِرَ فيه إلا المستثنى منه قد يكون موجباً، بمعنى: أنه لم يسبقه نفيٌ ولا شبه النفي، والمراد بشبه النفي الاستفهام والنهي، ثم الكلام التام إذا كان المستثنى من جنس المستثنى منه أو إن شئت قل: بعضه، هذا يُسمى: استثناءً متصلاً، لماذا؟ لأن ما بعد (إلا) من جنس ما قبل (إلا) قام القوم إلا زيداً، زيد من جنس القوم، إذاً: هذا يسمى: استثناءً متصلاً، لأن ما بعد (إلا) بعض مما قبل (إلا).
وإن كان من غيره ليس بعضاً منه ولا من جنسه يُسمى استثناءً منقطعاً، قام القوم إلا حماراً، قالوا: الحمار ليس من جنس القوم، زيد نعم من جنس القوم، لكن حمار ليس من جنس القوم، إذاً: هذا يسمى استثناءً منقطعاً.
إذاً القسمة هكذا: كلامٌ تام بِذِكر المستثنى منه، ثم هذا يكون موجباً بأن يكون مثبتاً، ويكون منفياً بنفيٍ أو شبهه وهو الاستفهام والنهي، ثم مفرَّغ وهذا ما لم يذكر فيه المستثنى منه ولا يكون إلا منفياً، ثم الأول قد يكون متصلاً، وقد يكون منقطعاً، والمتصل هو ما كان المستثنى بعضاً من المستثنى منه أو جنساً، والمنقطع: ما كان المستثنى ليس من جنس المستثنى منه ولا بعضاً منه، مثل: قام القوم إلا حمار، هذا على المشهور، وإلا فيه نقد، وسيأتينا إن شاء الله.
إذاً: مَا اسْتَثْنَتِ الاَّ مَعْ تَمَامٍ يَنْتَصِبْ: حكم الأول المتعلق بـ (إلا) وجوب النصب، وذلك إذا كان الاستثناء بـ (إلا) خاصة دون غيرها من أدوات الاستثناء، وبأن كان الكلام تاماً موجباً، بمعنى: أنه لم يتقدمه نفيٌ ولا شبه النفي، وهذا مقيدٌ هنا بالاشتراط بمقابله، لأنه قال: وَبَعْدَ نَفْيٍ أَوْ كَنَفْيٍ، دل على أن الأول قوله: مَا اسْتَثْنَتِ الاَّ مَعْ تَمَامٍ دون نفيٍ وهو الموجب.
إذاً: اشتراط الإيجاب في الأول مأخوذٌ باشتراط النفي في الثاني، مَا اسْتَثْنَتِ الاَّ مَعْ كلامٍ تامٍ غير مُفرَّغٍ لأن التام هو الذي ذُكِر فيه المستثنى منه.
يَنْتَصِبْ: هذا مطلقاً، سواءٌ كان موجباً أو منفياً، قام القوم إلا زيداً، نقول: زيداً هذا من جنس القوم، والكلام هنا تامٌ وهو موجب، ما قام القوم إلا زيداً، هل قام القوم إلا زيداً، لا يقم القوم إلا زيداً، نقول: هنا نفيٌ، والكلام تام وجب النصب، هذه الحالة الأولى من أحوال (إلا): وجوب النصب، ولذلك قال: يَنْتَصِبْ، يعني: وجوباً، وهو خبر (ما).
وَبَعْدَ نَفْيٍ أَوْ كَنَفْيٍ انْتُخِبْ ... إِتْبَاعُ مَا اتَّصَلَ ..
وَبَعْدَ نَفْيٍ: لا زال الكلام في الكلام التام، فحينئذٍ الكلام التام يُفصَّل فيه بين ما إذا كان متصلاً أو منقطعاً.