أجيب عندهم -لما كان داخلاً-، أي: في مفهوم اللفظ لغةً، اللفظ من حيث هو يشمل، إذا قلت: إله دخل فيه الرب، وهو كما ذكرنا أنه من أسماء الأجناس، لذلك لا يصدق على الإله بحق دون الباطل ولا العكس، بل يطلق على هذا وهذا، لأن المراد به إله فِعَال بمعنى: المفعول أي: المعبود، وهذا يشمل المعبود بحق أو المعبود بباطل، إذاً: إله من حيث هو في مفهوم اللغة دخل فيه المستثنى وهو الله عز وجل، وإذا قلت: القوم، دخل فيه زيد، لفظ القوم من حيث اللغة يشمل زيد وغيره، أي: في مفهوم اللفظ لغةً، وإن كان خارجاً من أول الأمر في النية، كيف هذا؟ يقولون: في مفهوم اللغة المستثنى داخلٌ في المستثنى منه، هذا قبل إدخاله في جملة الاستثناء، ثم لما أدخلته أنت أخرجت الفرد الذي تريد استثنائه بالنية، إذاً: على هذا سلموا من الاعتراض، فحينئذٍ إذا قال: قام القوم، هو لم يرد زيداً، ثم قال: إلا زيداً، فلما نوى بقلبه عدم دخول الفرد آحاد زيد، لا بد من نصب قرينة لفظية تدل على تلك النية وعدم الإرادة، فجعلوا: إلا زيداً قرينة تدل على عدم إرادة زيد، إذاً: لم يدخل، هذا مسلك لبعضهم في الخروج من هذا المأزق.

وقيل: المراد بإخراج ما كان داخلاً إظهارُ خروج ما يتوهم دخوله، فلا ينافي ما قالوه إنه يجب ملاحظة خروج المستثنى من أول الأمر، بحيث يكون المستثنى منه مستعملاً فيما عدا المستثنى .. أن يكون القوم مستعملاً فيما عدا زيد، إذاً: هذا شرطٌ عندهم، لكن العبارة التي عبروا بها عن اصطلاح الاستثناء قد لا تفصح عن هذا المراد، وهو أنهم أرادوا بالإخراج أنه مخرجٌ قبل اللفظ .. قبل التركيب بالنية، وجعلوا: إلا زيداً، هذا قرينة دالة على أن النية مخصصة لزيد قبل التركيب. خروج المستثنى من أول الأمر بحيث يكون المستثنى منه مستعملاً فيما عدا المستثنى، والاستثناء قرينةٌ على ذلك، لئلا يلزم التناقض بإدخال الشيء ثم إخراجه والكفر ثم الإيمان.

إذاً: لهم مخرج وهو أنهم إما أن يُقال بأن المستثنى منه استعمل في غير إرادة المستثنى، بمعنى: أن القوم أطلق على ما عدا زيد، حينئذٍ استعمل المستثنى منه في غير المستثنى، وإما أن يقال بأنه حصل تخصيص بالنية قبل التركيب، وهذا أو ذاك، الحد لا يُوفِي بالمذكور، ولذلك الأولى أن يُعبر بما عبر به ابن قدامة في الروضة وتبعه صاحب القواعد: بأنه قولٌ متصلٌ يدل على أن المذكور معه غير مرادٍ بالقول الأول، هذا لفظٌ يصحح العبارة التي انتشرت: الإخراج بـ (إلا) أو إحدى أخواتها، لأن الإخراج لا يكون إلا لشيءٍ قد دخل، هذا الأصل، ثم كونه أخرج بالنية، الحد لا يدل على هذا، وكون المستثنى منه مستعملاً فيما عدا المستثنى العبارة لا تدل .. هل يفهم هذا من هذه العبارة، الإخراج بـ (إلا) أو إحدى أخواتها؟!

طور بواسطة نورين ميديا © 2015