بِاطِّرَادٍ المراد به أن يكون مطرداً، يعني: في كل تركيب، إن كان في بعض التراكيب دون بعض، نقول: هذا ليس بظرف مكان ولا بظرف زمان، احترازاً عن بعض الألفاظ من أسماء المكان المختصة، سيأتي أنه لا ينصب على الظرفية إلا اسم المكان المُبهَم، وأما المُختَص فلا ينصب على الظرفية، سُمِعَ بعض الألفاظ: دخلت الدارَ، الدارَ هذا اسم مكان، هنا ضمن معنى (في)، لكنه ليس مطرداً في كل تركيب مع سائر الأفعال، بل هو في فعل خاص دخلت، سمع دخل مع الدارِ فقط، سكنت الشامَ، يعني في الشامِ، هذا الأصل، لم يسمع لفظ الشام وهو لفظ اسم مكان مختص منصوب على الظرفية في الظاهر، -وفيه خلاف سيأتي-، أنه متضمن لمعنى (في) إلا مع سكنت، طيب وغير سكنت؟ يرجع إلى أصله، وهو أنه يجر بحرف الجر بحسبه، حينئذٍ نقول: هذه الألفاظ المسموعة في لسان العرب، وهي أسماء مكان، نقول: ليس تضمين معنى (في) معها إلا مع ألفاظ معينة من الأفعال، فحينئذٍ متى يكون ظرف زمان أوظرف مكان؟ إذا ضُمِّن معنى (في) مع كل فعل، وأما إذا اختص ببعض الأفعال دون بعض، نقول: لا هذا خلل خدش في الحكم عليه بكونه ظرف زمان أو ظرف مكان.
إذاً قوله: بِاطِّرَادٍ هذا مراده بأن يتعدى إليه سائر الأفعال، ولذلك قال: واحترز بقوله: بِاطِّرَادٍ من نحو دخلتُ البيتَ، وسكنتُ الدارَ، وذهبتُ الشامَ مما انتصب بالواقع فيه، فإن كل واحد من البيت والدار والشام متضمن معنى (في)، ولكن تضمنه معنى (في) ليس مطرداً لماذا؟ لأنه اسم مكان مختص، واسم مكان مختص لا يتضمن معنى (في) بالأصل، وإنما تكون هذه الألفاظ مسموعة، يعني: تحفظ ولا يقاس عليها.
إذاً قوله: بِاطِّرَادٍ احترز به من هذه الألفاظ، وإذا قيل بأن البيت والدار والشام اسم مكان مختص، حينئذٍ هو ليس بظرف؛ إذ لا يطرد نصبُه مع سائر الأفعال، إذ لا يقال: نمت البيت، على أنه ظرف مكان، وإنما سكنت البيت، سكنت الدار فقط، وإنما نمت الدار، يعني نمت في الدار هذا لا يقال، لماذا لا يقال؟ لأن الأصل فيه المنع، وإنما جُوِّز سكنت الدار لكونه سماعياً فحسب، وإذا كان كذلك حينئذٍ لا يُحترز عنه فلا يقال: نمت البيت، ولا قرأت الدار، وصليت المسجد، يعني: صليت في المسجد، وهذا لا يطرد مع سائر الأفعال، وإنما هو سمع في ألفاظ محدودة فحسب، وعليه لا يحتاج إلى قيد: بِاطِّرَادٍ، فقوله: بِاطِّرَادٍ هذا قيدا لا يُقَيَّدُ به، بل يجب حذفه، فالدار من قوله: دخلت الدار ليس بظرف، وفي نصبه إذا قلنا: ليس بظرف، حينئذٍ ننصبه على ماذا؟ دخلت الدار بالنصب، ظاهره على أنه ظرف مكان، نقول: لا، فيه ثلاثة مذاهب للنحاة:
الأول: أنه انتصب نصب المفعول به بعد إسقاط الخافض على وجه التوسع والمجاز، وهذا مذهب ابن مالك رحمه الله تعالى، أنه مفعول به، انتصب بعد نزع الخافض منه.