قال هنا: وأجاز المصنف أن يكون مرفوعاً بندلاً، وفيه نظر؛ لأنه إن جعل ندلاً نائباً مناب فعل الأمر للمخاطب، والتقدير اندل، لم يصح أن يكون مرفوعاً به؛ لأن فعل الأمر إذا كان للمخاطب لا يرفع ظاهراً، فكذلك ما ناب منابه، وإن جُعِل نائباً مناب فعل الأمر للغائب ليندل، والتقدير: ليندل، صح أن يكون مرفوعاً به، لكن المنقول أن المصدر لا ينوب مناب فعل الأمر الغائب، وإنما المخاطب فحسب، وإنما ينوب مناب فعل أمر المخاطب نحو ضرباً زيداً، أي اضرب زيداً.
إذاً وَالْحَذْفُ حَتْمٌ -واجبٌ- مَعَ آتٍ بَدَلاً مِنْ فِعْلِهِ يعني مع المصدر الذي جاء نائباً مناب الفعل، كَنَدْلاً في قول القائل: نَدْلاً زُرَيْقُ المَالَ.
اللَّذْ كَانْدُلاً: الذي مثل كَانْدُل، نَدْلاً اللَّذْ كَانْدُلاً، الألف هذه منقلبة عن نون التوكيد الخفيفة، ما العبارة هذه: كَنَدْلاً اللَّذْ كَانْدُلاً؟ ما مراده؟ كَنَدْلاً هو أراد مثال أراد البيت، كَنَدْلاً الذي نطق به في البيت، كَنَدْلاً المصدر الذي أقيم مقام الفعل، ثم صرح، قال: اللَّذْ، المصدر الذي كَانْدُلاً، يعني مثل كَـ انْدُل، وهو فعل أمر مثله، قام مقامه، في المعنى والعمل، أو في المعنى فحسب؟ على الخلاف المذكور.
إذاً كَانْدُلاً نقول: هذا المراد به فعل الأمر، ونَدْلاً المراد به المصدر، كَنَدْلاً المصدر الذي جاء في البيت، اللَّذْ الذي، كَانْدُلاً قصد لفظه، فالكاف هذه داخلة على الاسم.
وَمَا لِتَفْصِيلٍ كَإمَّا مَنَّا ... عَامِلُهُ يُحْذَفُ حَيْثُ عَنَّا
هذا الموضع الثاني، -كلها تعداد أمثله-، الموضع الثاني الذي يجب فيه حذف العامل، وهو ما كان كقوله تعالى: ((حَتَّى إِذَا أَثْخَنتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً)) [محمد:4] فَإِمَّا مَنًّا، منًّا هذا مفعول مطلق، فإما تمنون منًّا، وَإِمَّا فِدَاءً وإما تفدون فِدَاءً، في مثل هذا التفصيل إذا جاء المصدر حينئذٍ يكون عامله محذوفاً وجوباً، بشرط أن يكون مسبوقاً بجملة -لا مفرد-، ثم أن يكون تفصيلاً لعاقبة ما تقدمه يعني أثر، ((حَتَّى إِذَا أَثْخَنتُمُوهُمْ))، يعني: إذا أكثرتم فيهم القتلى ((فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنًّا)) [محمد:4] فَشُدُّوا الْوَثَاقَ يعني الأسر، ((فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً)) إذاً المن والفداء تفصيل لقوله: ((فَشُدُّوا الْوَثَاقَ))، ((فَشُدُّوا الْوَثَاقَ)) جملة متقدمة، وأريد ما بعدها بالتفصيل، هذه ثلاثة شروط: أن يقع للتفصيل؛ لا بد من التفصيل، أن يكون بعد جملة لا مفرد، أن تكون الجملة متقدمة لا متأخرة، إن انتفت هذه الشروط الثلاثة حينئذٍ نقول: ليس من هذا الباب.