وكذلك يحذف عامل المصدر وجوباً إذا وقع المصدر بعد الاستفهام المقصود به التوبيخ؛ أتَوَانِياً وَقَدْ علاك المَشِيبُ؟ أتتوانى وقد علاك المشيب، أتَوَانِياً نقول هنا: مصدر (توانياً) وقع بعد استفهام، والمراد بالاستفهام التوبيخ، من المعنى أتَوَانِياً وَقَدْ علاك المَشِيبُ؟ أتتوانى، يعني: تتأخر عن الطاعة مثلاً، وقد علاك المشيب، ومثلك يتقدم، نقول: هذا استفهام مقصود به التوبيخ.
ويقل حذف عامل المصدر وإقامة المصدر مقامه في الفعل المقصود به الخبر، هذا قليل إلا ما ذكره الناظم فيما سيأتي من أبيات، أفعل وكرامة، يعني: أكرمك كرامة، فالمصدر في هذه الأمثلة كلها، في الدعاء وغيره منصوب بفعل محذوف وجوباً، والمصدر نائب منابه في الدلالة على معناه.
إذاً وَالْحَذْفُ حَتْمٌ يعني واجب لعامل المصدر، منه: مَعَ آتٍ بَدَلاً، مع مصدر آتٍ بَدَلاً مِنْ فِعْلِهِ؛ لأنه لا يجوز الجمع بين البدل والمبدل منه، إذاً قوله: بَدَلاً أشار إلى علة وجوب حذف العامل، قوله: بَدَلاً مِنْ فِعْلِهِ فيه إشارة إلى علة وجوب حذف العامل، وهو أنه بدل عنه، والبدل لا يجمع مع المبدل منه، ثم هو على نوعين كما ذكرناه.
وذلك: كَنَدْلاً اللَّذْ كَانْدُلاَ، اللَّذْ لغة في الذي، وهو صفة لسابقه، كَانْدُلاَ قصد لفظه، هذا فعل أمر مؤكَّد، والنون هذه نون التوكيد، أشار به إلى قول القائل:
فَنَدْلاً زُرَيْقُ المَالَ نَدْلَ الثَّعَالِبِ، نَدْلاً زُرَيْقُ المَالَ، نَدْلاً هذا مصدر أنيب مناب الفعل في الأمر، اندل ندلاً، نَدْلاً نقول: هذا مصدر أقيم مقام عامله فوجب حذفه؛ لأنه بدل عنه، فَنَدْلاً زُرَيْقُ المَالَ، زُرَيْقُ: يا زريق، هذا اسم رجل، والمال هذا مفعول به لـ (ندلاً) اندل ندلاً، إن قلنا أنه هو العامل، وإذا ناب عن عامله في المعنى دون العمل، حينئذٍ صار منصوباً بالعامل المحذوف، مثل ضرباً زيداً، زيداًَ هذا دائماً نقول: هذا معمول لضرباً، حينئذٍ يكون ضرباً ناب عن فعله في المعنى والعمل، وإما أن يكون منصوباً، -وهذا الصحيح-، بـ (اضرب) المحذوف، وحينئذٍ ضرباً ناب عن فعله في المعنى دون العمل فحسب، هذا مثله، فندلاً المال، المال أن يكون منصوباً بندلاً، فندلاً حينئذٍ ناب مناب الفعل في المعنى والعمل، وإما أن يكون منصوباً بالفعل العامل المحذوف، أندل -فهو فعل أمر- المال، حينئذٍ ندلاً هذا ناب مناب الفعل في المعنى دون العمل.
قال ابن عقيل: فندلاً نائب مناب فعل الأمر وهو اندل، والندل هو الخطف، خطف الشيء بسرعة، وزريق منادى، أصلها يا زريق، وزريق اسم رجل، وأجاز المصنف أن يكون مرفوعاً بـ ندلاً، وهذا فيه نظر؛ لأن اندل فعل أمر، وفعل الأمر لا يرفع اسماً ظاهراً، قم زيدٌ لا يصح هذا، قم يا زيدُ، وإذا حذفت يا النداء قلت: قم زيد، زيد هذا منادى، وحرف النداء محذوف، ولا يمكن أن يكون مرفوعاً بالفعل المذكور؛ لأنه فعل أمر، وفعل الأمر لا يرفع اسماً ظاهراً.