(بِعُكَاظَ يُعْشِي النّاظِرِينَ ... إذَا هُمُ لَمَحُوا ... ) الأصل لمحوه، حذف الضمير هنا من باب الضرورة، يعني شاذ يحفظ ولا يقاس عليه، كما شذ عمل المهمل الأول في المفعول المضمر الذي ليس بعمدة في الأصل، إذاً يُعْشِي إذَا هُمُ لَمَحُوهُ هذا هو الأصل، وحذف الضمير هنا، نقول: هذا شذوذ، يعني يحفظ ولا يقاس عليه، والجمهور على أنه لا يجوز الحذف لغير ضرورة؛ وذلك لأن ذكره لا يترتب عليه الإضمار قبل الذكر، فيجب حينئذٍ ذكره، لأنه حذف من الأول لئلا يخرم القاعدة، وهذا ليس فيه إضمارٌ قبل الذكر، وفي حذفه فسادٌ؛ لأنه قد يقال إذا كان فضلةً فلماذا لا يحذف، (وَحَذْفَ فَضْلَةٍ أَجِزْ) لماذا لا يحذف؟
قالوا: إذا حذفناه مع كونه فضلة يحصل فساد، وهو أنه يُهيئُ العامل لما بعده، يعني يراه الناظر كأن العامل قد تهيئ للعمل فيما بعده، وهذا فيه مفسدة. وفي حذفه فسادٌ، وهو تهيئة العامل للعمل ثم قطعه عنه من غير سبب موجب له، وقيل حذف هذا الضمير جائز في سعة الكلام؛ لأنه فضلة، وهذا هو الظاهر -والله أعلم- وهو مذهب الكوفيين أنه يجوز حذفه، وأما هذه العلة فليست بواضحة بينة.
قال الشارح: هذا كله إذا كان غير المرفوع ليس بعمدة في الأصل، فإن كان عمدة في الأصل فلا يخلو، إما أن يكون الطالب له هو الأول أو الثاني، فإن كان الطالب له هو الأول، وجب إضماره مؤخراً؛ لأنه لا يجوز حذفه لأنه عمدة ثم إذا أضمرناه متقدماً وقعنا في محذور، علاج هذا المحذور تأخيره، فوجب، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، حينئذٍ وجب تأخيره لئلا نحذفه، فتقول: (ظنني) و (ظننت) زيداً قائماً إياه، (ظنني) (الياء) هذا مفعول أول، (ظنني) إياه و (ظننت) زيداً قائماً، (ظنني إياه) الضمير يعود على زيد، إذاً عاد على متأخر لفظاً ورتبة فلا يجوز، ما العلاج؟
وجب تأخيره، (ظنني) و (ظننت) زيداً قائماً إياه، وإن كان الطالب له هو الثاني أضمرته متصلاً كان أو منفصلاً، فتقول: ظننتُ وظنَنِّيهِ زيداً قائماً، الطالب له الثاني؛ لأنك أعملت الأول، (زيداً قائماً) هذان معمولان لـ (ظننت) الأول، (ظننتُ) زيداً قائماً، ثم أضمرت في الثاني، ولا يجوز حذفه؛ لأنه عمدة في الأصل، و (ظننتُ) و (ظنَّنِي) إياه زيداً قائماً، (ظننتُ) زيداً قائماً، زيداً قائماً للعامل الأول، و (ظنَّنِي) إياه نقول: هنا وجب الإضمار ولا نقول بالتأخير لماذا؟
لأنه وإن عاد على متأخر في اللفظ إلا أنه متقدمٌ في الرتبة.