ومعنى البيتين أنك إذا أهملت الأول، لم تأتِ معه بضمير غير مرفوع وهو المنصوب والمجرور، -هذه خلاصة- إذا أهملت الأول لا تأتي معه بضميرٍ إلا ضمير رفعٍ فحسب، فلا تقول: ضربته وضربني زيدٌ، ولا مررت به ومر بي زيدٌ، بل يلزم الحذف، فتقول: ضربتُ وضربني زيدٌ ومررتُ ومر بي زيدٌ، إلا إذا كان المفعول خبراً في الأصل، فإنه لا يجوز حذفه بل يجب الإتيان به مؤخراً، فتقول: (ظنني) و (ظننت) زيداً قائماً إياه، ومفهومه -انظر شرحه على موافق اللفظ، لم يستثن إلا الخبر مع أنه في الشرح الأول عمم-، مفهومه: أن الثاني يؤتى معه بالضمير مطلقاً مرفوعاً كان أو مجروراً أو منصوباً، عمدةً في الأصل أو غير عمدة، -وهو كذلك-، وعند جمهور البصريين لا يجوز حذفه مطلقاً -الثاني-، سواء كان منصوباً أو مجروراً، إذاً عرفنا المراد بالبيتين:
وَلاَ تَجِىءْ مَعْ أَوَّلٍ قَدْ أُهْمِلاَ ... بِمُضْمَرٍ لِغَيْرِ رَفْعٍ أُوهِلاً
بَلْ حَذْفَهُ الْزَمْ إِنْ يَكُنْ غَيْرَ خَبَرْ ... وَأَخِّرَنْهُ إِنْ يَكُنْ هُوَ الْخَبَرْ
هذا البيت الثاني منتقد بما ذكرناه.
تنبيه: اقتضى كلامه أنه يُجاءُ بضمير الفضلة مع الثاني المهمل، نحو ضربني وضربته زيدٌ ومر بي ومررت بهما أخواكَ لدخوله تحت قوله: وَأَعْمِلِ الْمُهْمَلَ ولم يخرجه وهو كذلك، -كما ذكرناه-، وأنه يجوز حذفه لمفهوم قوله: والْتَزِمْ مَا الْتُزِمَا، يجوز حذفه، وهذا لم يُلتزم ذكرُه لأنه فضلة، وخصه بعضهم بالضرورة؛ لأن في حذفه تهيئة العامل للعمل، وقطعه عنه لغير معارض ورجحه في التوضيح ونسبه للجمهور، أنه لا يجوز حذفه -الثاني-، سواء كان منصوباً أو مرفوعاً، وهو فيه ثلاثة مذاهب: إذا كان خبر كان، والمفعول الثاني من باب ظن، فيه ثلاثة مذاهب.
ويشترط لحذف الفضلة من الأول المهمل أمن اللبس، ولم يذكره الناظم لعلمه مما سبق، فإن خيف اللبس وجب التأخير، كالمثال الذي ذكرناه: استعنت واستعان علي زيدُ به، وأما منصوب كان وظن، وهذا فيه ثلاثة مذاهب أولها: جواز الإضمار -كالمرفوع- مقدماً، ثانيها: وجوب تأخيره وهما في النظم، ثالثها: جواز حذفه وعليه الكوفيون؛ لأنه مدلولا عليه بالمفسِّر، وهو أقوى المذاهب لسلامته من الإضمار قبل الذكر ومن الفصل، أي الفصل بين العامل الأول المهمل ومعموله إذا أضمر مؤخراً، وهذا هو الظاهر؛ لأنه داخل تحت القاعدة: وَحَذْفَ فَضْلَةٍ أَجِزْ إن لم يضر، فإذا علم من المفسِّر، حينئذٍ جاز حذفه من الثاني، -الكلام في الثاني- جاز حذفه إذا دل عليه دليل، وما لم يجز، حينئذٍ بقينا على الأصل.
وَأَظْهِرِ انْ يَكُنْ ضَمِيرٌ خَبَرَا ... لِغَيْرِ مَا يُطَابِقُ الْمُفَسِّرَا
نَحْوُ أََظُنُّ وَيَظُنَّانِي أَخَا ... زَيْداً وَعَمْراً أَخَوَيْنِ فِي الرَّخَا
هذه خرجت من باب التنازع -الحمد لله-، ليست من باب التنازع، وإنما تُذكر من باب العلم بالشيء فحسب، وعنوان المسألة -حتى نفهم-، إذا كان المتنازع فيه مثنىً أو جمعاً، في باب ظن، لكنه في الأصل خبرٌ عما لا يطابقه، هذا عنوان المسألة.