أو بأن يكونا مصدرين، الأول والثاني مصدران، والمصدر يعمل لكن بثمانية شروط، ستأتي في محلها -إن شاء الله تعالى-، المصدر يعمل بثمانية شروط، كلما بعد الاسم عن معنى الفعل ازدادت الشروط، ولذلك إعمال اسم الفاعل شروطه أقل، وكذلك اسم المفعول؛ لأنه دال على ذات وعلى وصف، أما المصدر فلا، كقولك: (عجبتُ من حبِّك وتقديرك زيداً)، (حُبِّكَ) حبِّ: هذا مصدر مضاف إلى الفاعل حينئذٍ يطلب مفعولاً به، و (تقديرك) -تقديرك أنت-، مضاف إلى الفاعل، مثل ((لَوْلاَ دَفْعُ اللهِ النَّاسَ)) [البقرة:251] مثله، ((لَوْلاَ دَفْعُ اللهِ النَّاسَ))، حبِّك زيداً، تقدِيرك زيداً، إذاً زيدا هذا اسم ظاهر متأخر وتقدم عليه مصدران كل منهما يطلبه على أنه مفعول به له.
إذاً قد يكون العاملان اسمي مصدر.
أو بأن يكون اسمي تفضيل: زيدٌ أضبط الناس وأجمعهم للعلم.
زيدٌ أضبط، أفعل تفضيل، أضبط للعلم، وأجمعهم للعلم، (للعلم) هذا إما أن يتعلق بـ (أجمع)، وإما أن يتعلق بـ (أضبط)، تنازع فيه اسما تفضيل، فأُعمِل الثاني.
أو بأن يكونا صفتين مشبهتين، (زيدٌ حذرٌ وكريمٌ أبوه)، (زيد) مبتدأ و (حذر) خبر و (كريم) هذا معطوف عليه، (حذرٌ) صفة مشبهة ترفع فاعلاً، مثل (حسنٌ وجهه) مثلها، (حذِرٌ) فَعِلٌ و (كريم) فعيل صفة مشبهة، تطلب أبوه على أنه فاعلٌ لها، حينئذٍ تنازع صفتان مشبهتان على اسمٍ ظاهرٍ واحد، حذِرٌ أبوه، كريمٌ أبوه، كل منهما يريده على أنه فاعل له.
أو بأن يكونا مختلفين؛ بأن يكون الأول اسم فعل، والثاني اسم فيه معنى الفعل، أو العكس، فمثال الفعل واسم الفعل: قوله: ((هَاؤُمُ اقْرَؤُوا كِتَابِيهْ)) [الحاقة:19]، (هَاؤُمُ) (هاء) هذا اسم فعل أمر بمعنى خذ، و (الميم) علامة الجمع (هَاؤُمُ)، والأصل (هاكم)، أبدلت الكاف (واواً) ثم الواو (همزة) فصار (هَاؤُمُ .. اقْرَؤُوا كِتَابِيهْ).
إذاً (هَاؤُمُ) هذا اسم و (اقْرَؤُوا) هذا فعل تنازع كِتَابِيهْ، كتابي، خذ كتابي، اقرأ كتابي، كل منهما طلبه على أنه مفعول له وأعمل الثاني، فالقرآن من أوله إلى آخره يرجح مذهب البصريين، كل من ورد من أمثلة أعمل فيه الثاني، ولذلك هناك: ((أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْراً))، قطرا مفعول لأفرغ، هنا (كتابي) هذا مفعول لـ (اقْرَؤُوا) ليس للأول.
ومثال الفعل والمصدر: قول القائل:
لَقَدْ عَلِمَتْ أُولَى المُغيرَةِ أَنَّني لَقِيتُ ... فَلَمْ أنْكِلْ عَنِ الضَّرْبِ مَسْمَعاً
(مَسْمَعاً) هذا اسم رجل، (لَقِيتُ الضَّرْبِ مَسْمَعاً) الضَّرْبِ هذا مصدر طلب مَسْمَعَاً على أنه مفعولٌ له، ولَقِيتُ طلب مَسْمَعاً على أنه مفعول له، تنازعا كل من الفعل والمصدر، حينئذٍ إذا عرفنا أن مراد الناظم بقوله: (إِنْ عَامِلاَنِ) أنهما يكونا فعلين، أو اسمين، أو مختلفين؛ بشرط أن يكون الاسم شبيهاً بالفعل، بمعنى أنه يعمل عمل الفعل، وكل اسم مما ذُكر يُرْجَع إلى بابِه، فنعرف ما شروط إعمال اسم الفاعل، وما شروط إعمال اسم المفعول، وما شروط إعمال اسم التفضيل، والمصدر ونحو ذلك.