قد يكون العاملان المتنازعان فعلين، ويشترط حينئذٍ أن يكونا متصرفين؛ احترازاً من الجامد، ستأتي العلة، ((آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْرًا)) [الكهف:96]، (آتُونِي أُفْرِغْ) عاملان طلبا قِطْراً، (أُفْرِغْ) هذا يتعدى إلى واحد، طلب قطراً على أنه مفعول له، (آتُونِي) يطلب اثنين: الأول: (الياء)، والثاني (قِطْراً)، إذاً تنازع فيه (آتُونِي) و (قِطْراً)، فأُعمل الثاني، وأضمر في الأول.

أْتُونِي هذا فعل وفاعل، ومفعولٌ أول، ويحتاج إلى ثانٍ فسُلِّط على (قِطْراً)، و (أُفْرِغْ) هذا فعل وفاعل يحتاج إلى مفعول، وتأخر عنهما (قِطْراً) وكُلٌّ منهما طالب له، إذاً طلبه (آتُونِي) على أن ينصبه مفعولاً ثانياً له، وطلبه (أُفْرِغْ) على أنه مفعول له، كل منهما طالب له على أنه منصوب له، وإن كانت جهة النصب منفكة؛ لأن ذاك يطلبه على أنه مفعول ثاني (آتُونِي)، و (أُفْرِغْ) يطلبه على أنه مفعول، وليس له إلا مفعولاً واحداً، حينئذٍ الجهة انفكت من حيث نوعية النَّصْب، ومن حيث العمل فهي واحدة.

إذاً تسلط عاملان متصرفان .. فعلان متصرفان، (آتُونِي) متصرف، و (أُفْرِغْ) متصرف.

وقد يكونان اسمين، ويشترط فيهما حينئذٍ أن يكونا جاريين مجرى الفعل، يعني: بمعنى الفعل -ما فيه رائحة الفعل-؛ لأنه سيرفع وينصب، ولا يرفع ولا ينصب إلا المشتقات التي هي فيها معنى الفعل -رائحة الفعل-؛ لأن الأصل في العمل هو للفعل، فحينئذٍ إذا أُعمِل الاسم لا بد وأن يكون فيه معنى الفعل؛ ليصح تعديه، وإلا الأصل أن يكون الفعل هو الذي يختص بالعمل، فحُمل عليه الاسم إذا وجد فيه معنى الفعل، فيقتضي .. يطلب ما يطلبه الفعل.

ولذلك إذا تنازع اسمان حينئذٍ يُشترط فيهما أن يكونا جريا مجرى الفعل، والذي يجري مجرى الفعل هنا في هذا الباب: بأن يكونا اسمي فاعل، يكون الأول اسم فاعل، والثاني اسم فاعل، وكل منهما عامل، وهذا سيأتي باب خاص في إعمال اسم الفاعِل:

(عُهِدْتَ مُغِيثَاً مُغْنِياً مَنْ أَجَرْتَهُ)، (عُهِدْتَ) هذا بالبناء للمجهول وتاء الخطاب، (مُغِيثَاً) هذا اسم فاعل أغاث يغيث فهو مغيث، (مُغْنِياً) هذا أغنى يغني فهو مغني، إذاً هو اسم فاعل، إذاً: مُغِيثَاً مَنْ أَجَرْتَهُ، يطلبه على أنه مفعول له، ومُغْنِياً مَنْ أَجَرْتَهُ يطلبه على أنه مفعول له.

إذاً تنازع اسما فاعل على اسم واحد وهو (مَن أَجَرْتَهُ)، وأعمل الثاني، هنا في هذا التركيب أعمل الثاني، فـ (مَنْ) اسم موصول تنازعه كل من مغيث ومغنٍ.

أو بأن يكونا اسمي مفعول؛ لأن اسم المفعول كذلك يعمل لكن بشرطه، كقول القائل:

قَضَى كُلُّ ذِي دَيْنٍ فَوَفّى غَرِيمَهُ ... وَعَزَّةُ مَمْطُولٌ مُعَنَّىً غَرِيمُهَا

(وَعَزَّةُ): هذا مبتدأ، (مَمْطُولٌ مُعَنَّىً): خبر بعد خبر، (غَرِيمُهَا): نائب فاعل، (مَمْطُولٌ): هذا اسم مفعول يطلب نائب فاعل، و (مُعَنَّىً): هذا اسم مفعول يطلب نائب فاعل، حينئذٍ لا بد من توجه واحد منهما.

الشاهد هنا: أن اسمي مفعولٍ تنازعا في اسم ظاهر، وأعمل الثاني هنا.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015