قال: [ثم رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أخبر أن أمته ستفترق على ثلاث وسبعين فرقة] .
قوله: (ثم) هنا تكملة للاستدلال السابق، أي: إذا كان الرسول صلى الله عليه وسلم لم يقل للأمة: لا تعتقدوا ظواهر هذه النصوص، مع إخباره أن الأمة ستفترق، فيكون ما دلت عليه ظواهر النصوص هو الحق الذي يجب التمسك به؛ لأنه لو لم تكن هذه الظواهر هي الحق، لكان يجب عليه -مع إخباره بالافتراق وكثرة الضلال مع كمال تبليغه ونصحه لأمته- أن يبين لهم كيف يتعاملون مع هذه النصوص؛ فلما لم يرد بيان يوافق ما قاله هؤلاء دل ذلك على أن ما كان عليه السلف من إجراء النصوص على ظواهرها، وإثبات ما أثبته الله لنفسه أو أثبته له رسوله, هو الطريق الصحيح، وأن طريقة السلف هي أصوب الطرق الموصلة إلى معرفة الله تعالى وما يجب له.
قوله: [فقد علم ما سيكون ثم قال: (إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا: كتاب الله) وروي عنه أنه قال في صفة الفرقة الناجية: (هم من كان على مثل ما أنا عليه اليوم وأصحابي) ، فهلا قال: من تمسك بالقرآن، أو بدلالة القرآن، أو بمفهوم القرآن، أو بظاهر القرآن في باب الاعتقاد فهو ضال! وإنما الهدى رجوعكم إلى مقاييس عقولكم وما يحدثه المتكلمون منكم!! بعد القرون الثلاثة -في هذه المقالة- وإن كان قد نبغ أصلها في أواخر عصر التابعين] .
وهذا واضح، فإنه لما لم يكن الأمر كما ذكر الشيخ رحمه الله دل ذلك على صحة طريق السلف، وأن الاعتماد على العقل مخالف لهدى النبي صلى الله عليه وسلم وطريقة السلف الصالح.
والحديث الذي استدل به أو الذي أشار إليه: بأن الأمة ستفترق على ثلاث وسبعين، هو حديث صحيح مشهور في السنن والمسانيد وجاء من طرق عديدة.
وأما قوله: (هم من كان على مثل ما أنا عليه اليوم وأصحابي) ، فقد جاء في بعض الروايات متمماً لحديث الافتراق، وقد اختلف أهل العلم في إثبات هذه الزيادة ونفيها، والصواب أنها ثابتة، فقد جاءت عن ابن عمر وعن أنس رضي الله عنهما، وهي وإن لم تصح من جهة السند على قول بعض أهل العلم إلا أن معناها صحيح، فإن السلف سلكوا الطريقة الصحيحة في باب أسماء الله عز وجل وصفاته وفي جميع أبواب الدين والإيمان، وهي ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه الذين هم خير القرون.
وأما قوله: (إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا: كتاب الله) فهذا جزء من حديث جابر في صحيح مسلم في صفة حج النبي صلى الله عليه وسلم.