ثم قال الشيخ رحمه الله مبيناً شبهةً لهم في باب الأسماء والصفات: [وإنما غاية المتحذلق أن يستنتج هذا من قوله {وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ} [الإخلاص:4] ، {هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا} [مريم:65]] .
المتحذلق: هو المتشبع بما ليس عنده من العلم والنظر في الكتاب والسنة، فغاية ما عند هذا: أن يستنتج ويستدل لسلامة هذه الطريقة التي هو عليها من نفي الأسماء والصفات، أو من تأويل صفات الله عز وجل وتعطيل الله سبحانه وتعالى عما يجب له في باب الأسماء والصفات؛ بقوله تعالى: {وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ} [الإخلاص:4] ، {هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا} [مريم:65] ، ومعلوم أن هذين الدليلين ليس فيهما متمسك له، والشيخ الآن يجيب عن تمسك هؤلاء بهذين الدليلين وما في معناهما على نفي الصفات، أو على صحة الطريق الذي سلكوه من النفي في باب الأسماء والصفات، فقال رحمه الله: [وبالاضطرار يعلم كل عاقل أن من دل الخلق على أن الله ليس على العرش ولا فوق السماوات ونحو ذلك بقوله {هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا} [مريم:65] ؛ لقد أبعد النجعة، وهو إما ملغز وإما مدلس، لم يخاطبهم بلسان عربي مبين] .
هذا إبطال لقولهم في مسألة علو الله عز وجل، وأنه ليس على العرش، وأنه ليس عالياً على خلقه بائناً منهم، وإبطال لطريقتهم في الاستدلال على ذلك بقوله: {هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا} [مريم:65] فهذه الآية وما في معناها لا تدل على ما ذهبوا إليه، بل من استدل بهذه الأدلة أو بهذا الدليل ونظائره على نفي العلو وغيره من صفات الله عز وجل فقد (أبعد النجعة) أي أبعد المرعى، (وهو إما ملغز وإما مدلس) ، وبهذا نعود إلى اللازم السابق: أن من لازم قولهم في نفي الصفات: أن كتاب الله عز وجل ليس فيه هدى ولا نور ولا بيان ولا شفاء لما في الصدور، وهذا كذب وافتراء، فإن مقتضى الاستدلال بهذه الآية على نفي الصفات: أن يكون الله جل وعلا قد خاطب الناس بغير اللسان العربي المبين، وذلك أن أصحاب الأفهام وأصحاب اللسان يفهمون من قوله: {هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا} [مريم:65] ، {وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ} [الإخلاص:4] ، أنه جل وعلا لا نظير له في أسمائه ولا في صفاته ولا في أفعاله، وليس من ذلك أن ينفي عنه ما أثبته لنفسه من الأسماء والصفات، كما سيأتي تقرير مذهب السلف في ذلك في الفصل القادم من هذه الرسالة.
قال رحمه الله: [ولازم هذه المقالة: أن يكون ترك الناس بلا رسالة خيراً لهم في أصل دينهم] : المقالة هي: مقالة أن قوله تعالى {وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ} [الإخلاص:4] ، يدلان على نفي الصفات، فيلزم على هذه المقالة [أن يكون ترك الناس بلا رسالة خيراً لهم في أصل دينهم؛ لأن مردهم قبل الرسالة وبعدها واحد، وإنما الرسالة زادتهم عمىً وضلالة] .
ما هو المرد قبل الرسالة وبعدها؟ العقل، فإذا كان مردهم إلى العقل قبل الرسالة وبعدها، وجاءت النصوص مضللة بظاهرها المخالف لباطنها، وكان ظاهرها يدل على ما لا يجوز على الله سبحانه وتعالى؛ فإن هذا يدلك على أن الكتاب لم يزد الناس إلا ضلالاً وبعداً عن الحق، وعمىً في باب أسماء الله وصفاته!! ثم قال رحمه الله: [يا سبحان الله! كيف لم يقل الرسول يوماً من الدهر, ولا أحد من سلف الأمة: هذه الآيات والأحاديث لا تعتقدوا ما دلت عليه، ولكن اعتقدوا الذي تقتضيه مقاييسكم، أو اعتقدوا كذا وكذا فإنه الحق، وما خالف ظاهره فلا تعتقدوا ظاهره، أو انظروا فيها فما وافق قياس عقولكم فاعتقدوه وما لا فتوقفوا فيه أو انفوه؟!] .
هذا مع كمال نصح الرسول صلى الله عليه وسلم للأمة، وأنه ما ترك خيراً إلا دلها عليه ولا شرّاً إلا حذرها منه، ومع ذلك لم يقل -لا هو صلى الله عليه وسلم ولا أحد من سلف الأمة-: إن هذه الآيات لا يجوز اعتقاد ما دلت عليه, فدل هذا على كذب مقالتهم وأنهم قد أبعدوا عن الصواب ولم يصيبوا إلا خبالاً وتخبطاً.