قال: [وأن حجته ليست ببينة، وإنما هي كما قيل فيها: حجج تهافتُ كالزجاج تخالها حقاً وكل كاسر مكسور ويعلم العليم البصير بهم أنهم من وجه مستحقون ما قاله الشافعي رضي الله عنه، حيث قال: حكمي في أهل الكلام أن يضربوا بالجريد والنعال، ويطاف بهم في القبائل والعشائر، ويقال: هذا جزاء من أعرض عن الكتاب والسنة وأقبل على الكلام.
ومن وجه آخر إذا نظرت إليهم بعين القدر -والحيرة مستولية عليهم والشيطان مستحوذ عليهم- رحمتهم ورفقت بهم، أوتوا ذكاء وما أوتوا زكاء، وأعطوا فهوماً وما أعطوا علوماً، وأعطوا سمعاً وأبصاراً وأفئدة {فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ سَمْعُهُمْ وَلا أَبْصَارُهُمْ وَلا أَفْئِدَتُهُمْ مِنْ شَيْءٍ إِذْ كَانُوا يَجْحَدُونَ بِآياتِ اللَّهِ وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ} [الأحقاف:26] ، ومن كان عليماً بهذه الأمور: تبين له بذلك حذق السلف وعلمهم وخبرتهم، حيث حذروا عن الكلام ونهوا عنه، وذموا أهله وعابوهم، وعلموا أن من ابتغى الهدى في غير الكتاب والسنة لم يزدد من الله إلا بعداً] .
هذا جزاء كل من ترك الكتاب والسنة، فإنه لا يصل إلى هدى، إنما يصل إلى ضلال، ولذلك كانت البدعة لا تزيد صاحبها من الله إلا بعداً، مع أنه يظن أنها تقربه إلى الله، قال عليه الصلاة والسلام: (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد) وهذا فيه رد العمل، وفيه أنه لا يحصل له مقصوده من العمل، فهو رد من حيث العمل ذاته، من حيث حصول مقصوده.
[فنسأل الله العظيم أن يهدينا صراطه المستقيم، صراط الذين أنعم عليهم، غير المغضوب عليهم ولا الضالين، آمين.
والحمد لله رب العالمين، وصلاته وسلامه على محمد خاتم النبيين، وآله وصحبه أجمعين] .
وبهذا نكون قد انتهينا من هذه الرسالة المباركة، التي نسأل الله جل وعلا أن يرزقنا الانتفاع بما فيها، وأن يجعلها في موازين حسناتنا، وأن يعلمنا ما ينفعنا، وأن ينفعنا بما علمنا، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.