أما توسط أهل السنة والجماعة من حيث الاسم فهو في قوله رحمه الله: (وفي باب أسماء الإيمان والدين) المراد بأسماء الإيمان والدين: (مؤمن، ومسلم، وكافر، وفاسق) .
هذه أسماء الإيمان والدين، وهي تمثل مراتب الناس في دينهم.
فأهل السنة والجماعة وسط في هذا الباب بين فرقتين: الحرورية والمعتزلة من جهة، والمرجئة والجهمية من جهة أخرى.
الحرورية هم: الخوارج، والمعتزلة معروفون، وجميع هؤلاء اتفقوا على بدعة وهي: سلب وصف الإيمان ممن ارتكب الكبيرة، فكل من ارتكب كبيرة فإنه غير مؤمن ولا مسلم فنفوا عنه الاسمين: الإسلام، والإيمان.
وأثبت الخوارج له وصف الكفر، فقالوا: إنه كافر، أما المعتزلة فقالوا: إنه في منزلة بين المنزلتين، هذا من حيث الاسم، لكن من حيث الحكم يتفقون أن من خرج عن وصف الإسلام والإيمان فإنه مخلد في النار، فمن حيث الحكم يتفقون، وأما من حيث الاسم فهم يختلفون، فالخوارج يسمونه كافراً، والمعتزلة يقولون: لا نسميه كافراً، إنما هو في منزلة بين المنزلتين.
يقابلهم المرجئة الجهمية، الذين قالوا: إن مرتكب الكبيرة مؤمن كامل الإيمان، فأثبتوا له كمال الإيمان وتمامه ولم ينقصوا منه شيئاً، وأصل هذه البدعة بشقيها هو: اعتقادهم في الإيمان، وسيأتينا بيان ذلك مفصلاً في كلام الشيخ رحمه الله.
فإن الفريقين أصحاب هاتين الضلالتين يعتقدون أن الإيمان كل لا يتبعض.
وأنا أقول: من المهم لطالب العلم أن يعرف منشأ البدعة وأصلها حتى يتمكن من الرد عليها ومناقشتها.
والفريقان: الخوارج والمعتزلة من جانب، ومرجئة الجهمية من جانب، كلهم يعتقدون أن الإيمان كل لا يتبعض، فالمعتزلة والخوارج قالوا: إذا خالف الإيمان في شيء واحد سلب منه جميعه؛ لأن الإيمان لا يتبعض، وإذا كان لا يتبعض وقد لعن النبي صلى الله عليه وسلم من فعل الكبيرة؛ فهذا دال على نقص إيمانه، والإيمان لا يتبعض؛ فقد خرج منه الإيمان بالكلية، وإذا خرج منه الإيمان بالكلية فهو إما كافر على قول الخوارج، أو في منزلة بين المنزلتين على قول المعتزلة.
والآخرون الذين قابلوهم وهم مرجئة الجهمية قالوا: المعاصي لا تضر بالإيمان؛ لأن الإيمان كل لا يتبعض، فلو قلنا: إن الإيمان ينقص بالمعصية لزم خروجه؛ لأن الإيمان إما أن يبقى جميعاً أو يسلب جميعاً.
وسلم من هذه البدعة أهل السنة والجماعة فأثبتوا زيادة الإيمان ونقصه، وقالوا: صاحب الكبيرة لا يسلب عنه مطلق الإيمان، ولا يثبت له الإيمان المطلق، كما سيأتي إن شاء الله تعالى تفصيل ذلك في كلام المؤلف، وإنما المراد بيان وسطية أهل السنة والجماعة في اسم الإيمان والإسلام، والكفر والفسق.