قال رحمه الله: (وهم) الضمير يعود إلى أهل السنة والجماعة الفرقة الناجية.
(وهم وسط في باب أفعال الله تعالى بين الجبرية والقدرية) ، أفعال الله عز وجل هي: ما أخبر به سبحانه وتعالى من فعله، وقد انقسم فيها الجبرية والقدرية إلى فريقين: فريق غلوا في الإثبات، وفريق غلوا في النفي.
الجبرية غلوا في أن الله عز وجل على كل شيء قدير، وأنه خالق كل شيء، وأنه ما من شيء إلا بمشيئته سبحانه وتعالى، فألغوا بذلك قدرة المخلوق ومشيئته وفعله، فجعلوا المخلوق كالريشة في مهب الريح، ليس له اختيار ولا فعل، وإنما الجميع فعل الله، وقالوا: الجميع فعل الله، فلا يضاف للمخلوق شيء، ولما قالوا هذا القول قالوا: إنه يجوز على الله عز وجل كل شيء إلا الممتنع، فيجوز على الله عز وجل الظلم، ويجوز عليه مخالفة الحكمة، ويجوز أن يجعل الشيطان في الفردوس الأعلى، ومحمداً صلى الله عليه وسلم في أسفل السافلين -تعالى الله عما يقولون علواً كبيراً- لأنه لا حكمة للرب، ولا رحمة ولا عدل.
والإنسان إذا سمع هذه الأقوال يقشعر منها بدنه، فكيف بمن جعلها في قلبه عقيدة يدين الله بها؟! فهذا أمر عظيم، لكن -سبحان الله العظيم! - طمس الله بصائرهم، وأعمى قلوبهم حتى اعتقدوا في ربهم هذه العقيدة، هؤلاء هم الجبرية.
يقابلهم فريق آخر وهم القدرية الذين سلبوا الله سبحانه وتعالى قدرته وفعله وخلقه ومشيئته، فقالوا: إن العبد يفعل، والله جل وعلا لا قدرة له على فعل هذا، والله سبحانه وتعالى لم يشأ فعل العبد، والله سبحانه وتعالى لم يخلق فعل العبد.
وأهل السنة والجماعة سلكوا طريقاً وسطاً، وصراطاً مستقيماً، فأثبتوا للعبد الفعل، وأثبتوا أن هذا الفعل بمشيئة الله عز وجل، فالعبد يفعل بمشيئته وإرادته، والرب جل وعلا قد أحاطت مشيئته بمشيئة عبده، فما شاء الله كان، كما قال الله جل وعلا: {وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ} [الإنسان:30] ، فمشيئة العبد الثابتة له وإرادته الثابتة له؛ لا تخرج عن إرادة الله ومشيئته سبحانه وتعالى.
وسيأتي مزيد بيان وتوضيح لهذا الأمر في كلام المؤلف رحمه الله عن القدر في قوله: [ويؤمن أهل السنة والجماعة الفرقة الناجية بالقدر خيره وشره] في هذه الرسالة إن شاء الله تعالى، والله تعالى أعلم.
والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.