قال: (فهم وسط في باب صفات الله تعالى بين أهل التعطيل الجهمية وأهل التمثيل المشبهة) صفات الله عز وجل هي: كل ما وصف به نفسه سبحانه وتعالى، والصفات لها مفهوم خاص ومفهوم عام، مفهومها العام يصدق أو يندرج تحته كل خبر عن الله عز وجل من وصف أو فعل، فإن كل خبر عن الله عز وجل بفعل أو باسم سواءً كان مصدراً أو اسم فاعل أو اسم مفعول أو صفة مشبهة كل ذلك يندرج في كونه وصفاً لله سبحانه وتعالى.
وأهل السنة والجماعة فيما أخبر الله سبحانه وتعالى به عن نفسه وسط بين الفرقتين من فرق الضلالة، فرقة التعطيل وفرقة التمثيل، والتعطيل يندرج فيه أو يندرج تحته كل من حرف في صفات الله عز وجل، سواءً كان التحريف تحريفاً كلياً أو تحريفاً جزئياً.
فالتحريف الكلي هو كتحريف غلاة الجهمية الذين يقولون: إن الله جل وعلا لا يوصف بشيء لا بإثبات ولا بنفي، ومن دونهم كالمعتزلة الذين نفوا الصفات، ومن دونهم كالأشاعرة الذين أثبتوا بعض الصفات ونفوا بعضها، كل هؤلاء يستظلون في مظلة التعطيل على درجات، لكن الجميع يشترك في هذا الأصل وهو التعطيل.
يقابل هذه البدعة بدعة أهل التمثيل وهم: الذين مثلوا الله بخلقه، فقالوا: يد الله كأيدينا، وسمعه كأسماعنا، وبصره كأبصارنا، تعالى الله عما يقولون علواً كبيراً، فهؤلاء -أيضاً- غلوا في الإثبات، فجعلوا الخالق كالمخلوق، وكذبوا بالقرآن حيث قال الله جل وعلا: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} [الشورى:11] ، وهذه الآية رد على هاتين البدعتين المنحرفتين في هذا الباب، وقد تقدم الكلام على هاتين البدعتين في ثنايا الحديث على الآيات، وتبين لنا أن أهل السنة والجماعة يثبتون المعاني ويكلون الكيفيات إلى الله عز وجل، فيثبتون معاني ما أخبر الله سبحانه وتعالى به عن نفسه، وأما كيفيات ذلك فإنهم يكلونها إلى الرب جل وعلا.
أهل التعطيل ماذا فعلوا في المعاني؟ الجواب: عطلوها بالتحريف والإبطال.
وأهل التمثيل ماذا فعلوا بالمعاني؟ الجواب: غلوا في إثباتها حتى جعلوا ما للمخلوق للخالق، وما اتصف به الرب نظير ما اتصف به المخلوق، فأثبتوا كيفيات وأمثال لله سبحانه وتعالى، تعالى الله عنها علواً كبيراً.
وأهل السنة والجماعة وسط بين هاتين البدعتين، والسلامة من هذين الطريقين في الضوابط التي تقدم ذكرها هي إثبات الصفات من غير تحريف ولا تعطيل، وبهذا نسلم من شبهة أهل التعطيل، ومن غير تكييف ولا تمثيل، وبهذا نسلم من شبهة الممثلة.