قال المؤلف رحمه الله: [بل هم الوسط في فرق الأمة كما أن الأمة هي الوسط في الأمم.
فهم وسط في باب صفات الله سبحانه وتعالى بين أهل التعطيل الجهمية وأهل التمثيل المشبهة.
وهم وسط في باب أفعال الله بين الجبرية والقدرية وغيرهم.
وفي باب وعيد الله بين المرجئة والوعيدية من القدرية وغيرهم.
وفي باب أسماء الإيمان والدين بين الحرورية والمعتزلة وبين المرجئة والجهمية.
وفي أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بين الرافضة والخوارج] .
بعد أن فرغ الشيخ رحمه الله من بيان المنهج العام الذي سار عليه أهل السنة والجماعة في هذا الباب -باب الأسماء والصفات- واستدل لذلك بأدلة من الكتاب والسنة انتقل رحمه الله إلى بيان أنهم وسط في عقائدهم وأعمالهم، وأن أهل السنة والجماعة وسط في الفرق -فرق الأمة- كما أن الأمة هي الوسط في الأمم.
فقوله رحمه الله: (بل هم) الضمير عائد إلى أهل السنة والجماعة.
(الوسط) والوسط من الشيء: أعلاه وأعدله وخيره.
(في فرق الأمة) فهم من هذا أن في الأمة فرقاً، وقوله: (الأمة) الألف واللام للعهد، أي: أمة محمد صلى الله عليه وسلم، وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح المشهور في مسند الإمام أحمد وأبي داود وغيرهما: (أن الأمة ستفترق إلى ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة) وقد بين النبي صلى الله عليه وسلم صفة هذه الفرقة بقوله: (هم من كان على مثل ما أنا عليه وأصحابي) ، وقوله صلى الله عليه وسلم: (يد الله مع الجماعة) ، فهذان وصفان أساسيان لهذه الفرقة، جعلنا الله منهم.
فأهل السنة والجماعة وسط عدول خيار في الأمة كما أن الأمة وسط بين أمم الكفر، أما وسطية الأمة فذلك في قوله تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا} [البقرة:143] ، والمراد بالوسط: العدل الخيار، فجعل الله عز وجل هذه الأمة عدولاً خياراً حتى تتحقق لهم الشهادة على الأمم، فإنه لا يشهد على أحد إلا من كان عدلاً خياراً، ووسطية الأمة لا تنحصر في ذلك؛ ولذلك شيخ الإسلام رحمه الله في كتابه (الجواب الصحيح) ذكر أوجهاً من وسطية الأمة بين أمتي اليهود والنصارى، ثم بعد إن ذكر وجوهاً عديدة قال: وهذا باب يطول وصفه، يعني: يطول تتبعه وتحديده، لكن كل من نظر إلى شرائع من تقدم، وإلى ما تميزت به هذه الأمة؛ وجدها قد سلكت طريقاً مستقيماً، صراطاً عدلاً قسطاً، لا وكس ولا شطط، لا غلو ولا تفريط، فليس عندهم غلو، وليس عندهم تقصير، بل هم على صراط مستقيم.
وكذلك أهل السنة والجماعة لكونهم أخذوا هذا المنهج من كتاب الله ومن سنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وهما مصدر التشريع ومصدر العقائد لأمة الإسلام، فإنهم اتصفوا بهذا الوصف، فبقدر تمسك الإنسان بالكتاب وبالسنة يتحقق بقدر ذلك وصف الوسطية فيه، وبقدر ما يكون عدلاً خياراً.
إذاً: فهمنا أن الوسطية في أمة الإسلام أمرها واسع، وكذلك الوسطية في منهج أهل السنة والجماعة -في الفرقة الناجية المنصورة إلى قيام الساعة -أيضاً باب يطول وصفه، فهم وسط في الأعمال، وسط في العقائد، وسط في الأقوال، فليس عندهم غلو ولا تقصير، وإنما الغلو والتقصير عند غيرهم، فضرب المؤلف رحمه الله نماذج لوسطية أهل السنة والجماعة في خمسة أمور في باب العقيدة؛ لأن الرسالة في باب العقيدة، وهذه الأمور الخمسة، هي: الأول: باب صفات الله عز وجل.
الثاني: باب أفعال الرب جل وعلا.
الثالث: باب وعيد الله سبحانه وتعالى.
الرابع: باب أسماء الإيمان والدين.
الخامس: في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وليست الوسطية مقصورة على هذه، إنما هذه نماذج وأمثلة لوسطية هذه الفرقة فرقة أهل السنة والجماعة.