أما الآثار المترتبة على قضية الإرجاء فكيرة جداً منها: أولاً: تهوين أعمال القلب والجوارح، فإنه أصبح كثير من الناس يتهاونون في هذه المسائل، وليست -في نظره- من المسائل الكبيرة، وبهذا انتشر الفسوق في حياة المسلمين في ظل الإرجاء، وانتشرت المعاصي، والدعارة، وانتشرت الذنوب والمعاصي؛ لأنهم لا يعتقدون أن هذه الأعمال من الإيمان.
ثانياً: أن الأشاعرة أخرجوا عمل القلب وعمل الجوارح من الإيمان، وعمل القلب وعمل الجوارح هو نفسه توحيد الألوهية، يعني: إذا قابلنا بين التوحيد والإيمان نجد أن توحيد الربوبية وتوحيد الأسماء والصفات وتوحيد الألوهية قول وعمل، فنجد أن توحيد الربوبية وتوحيد الأسماء والصفات يدخل في القول، وتوحيد الألوهية يدخل في العمل.
معنى هذا: أن الأشاعرة والماتريدية عندما قالوا: إن العمل ليس من الإيمان: أن توحيد الألوهية ليس من الإيمان أيضاً.
ويترتب على هذا: أنهم يرون أن الطواف بالقبور ليس شركاً، وأن الذبح لغير الله ليس شركاً، وأن الاستغاثة بغير الله، مثل مدد يا عبد القادر! أو: مدد يا حسين! أو طلب تفريج الكروب، ومغفرة الذنوب من الرسول صلى الله عليه وسلم، لا يعتبرونها من الشرك المخرج من الإسلام.
والخلاف العميق الذي وقع بين أهل السنة وبين الأشاعرة: أن الأشاعرة أدخلوا عباد القبور ضمن الموحدين والمسلمين، وأهل السنة أخرجوهم، فاختلفنا نحن والمرجئة على طائفة كبيرة من الذين يطوفون حول القبور ويذبحون لها، هذا من جهة.
من جهة ثانية: يأتي شخص ويغير أحكام الله عز وجل في مسألة التشريع العام، ويشرع للناس حكماً جديداً، هذا في حكم أهل السنة كافر خارج عن الإسلام؛ لأنه بدل الدين، وكفر بالله رب العالمين، واتخذ المبدل والمشرع إلهاً من دون الله عز وجل؛ لأن التأله معناه: التنسك والتعبد والطاعة لله، ولهذا يقول الله عز وجل عن الرسل أنهم قالوا: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} [النحل:36].
ما معنى قوله: ((أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ))؟ يعني: تنسكوا لله، وتعبدوا لله، وأطيعوا الله، فالطاعة داخلة في حقيقة الدين، ولذا كان من يطيع غير الله عز وجل طاعة مطلقة -كطاعتهم في التشريع- كافراً بالله رب العالمين.
إذاً: اختلفنا نحن والأشاعرة والماتريدية في طائفة ثانية، وهم: المبدلون لأحكام الله المغيرون لشريعته، الذين يأتون بقانون بريطاني، أو فرنسي، أو أي قانون من القوانين ويجعلونها مهيمنة على الناس، فهؤلاء ليسوا بمسلمين عندنا، أما عند هؤلاء فهم مسلمون.
إذاً: الخلاف عميق وكبير وقوي، ولهذا صارت مجادلات كبيرة بين أهل السنة من جهة، وبين الأشاعرة من جهة أخرى.
والأشاعرة يسمون أهل السنة خوارج؛ لأنهم يعتقدون أنهم يكفرون الناس بدون دليل أو بينة، ولما ظهر الشيخ محمد بن عبد الوهاب وقال: إن الطواف حول القبور، والذبح لها، والنذر لغير الله، والسحرة والكهنة والمشغوذين كفار، قالوا: إذاً أنتم من الخوارج، فما استطاعوا أن يفرقوا بين منهج السنة الصحيح وبين الخوارج، فالخوارج يكفرون بالكبائر، وهؤلاء يكفرون بالمكفرات الحقيقية، مثل: عبادة غير الله عز وجل، ولهذا وقعت الخصومة الكبيرة بين أهل السنة وبين المرجئة في واقع المجتمع والحياة.
مثال هذا: محمد علوي المالكي، هذا رجل خرافي صوفي، وهو أشعري من جهة أخرى، ففي كتابه: (مفاهيم يجب أن تصحح) له، تجد أنه يرى أن اتخاذ وسيلة بينه وبين الله يستغيث به، ويدعوه من دون الله، ويطلب منه المدد ونحو ذلك، أن هذا ليس من الشرك في شيء، وعندما رد عليه الشيخ صالح آل الشيخ بكتاب: (هذه مفاهيمنا) بين لنا أن هذا المنهج الباطل تسويغ للشرك، ودعوة إلى الشرك، فمعنى هذا: أننا لو تركنا المجال أمام محمد علوي المالكي فسيجعلنا جميعاً نستغيث بالرسول، وحينئذ سنصبح كفاراً جميعاً، ولن يصبح هناك فرق بيننا وبين اليهود والنصارى إذا استغثنا بغير الله، وإذا ذبحنا لغيره؛ لأن اليهود والنصارى كفروا من جهة، ونحن سوف نكفر من جهة أخرى، وحينئذ تضيع حقائق الدين، وتضيع عقائد المسلمين بسبب هذه الفتنة العظيمة، وركنها الأساسي هو الإرجاء.
كذلك قالت المرجئة: من سب الله أو سب الرسول صلى الله عليه وسلم فإنه لابد أن يعتقد أن سب الله ورسوله حلال، فإذا اعتقد ذلك فهذا معناه أنه مكذب، لكن إذا لم يعتقد فهو غير مكذب، ولهذا انتشر سب الله وسب الرسول صلى الله عليه وسلم في كثير من المجتمعات التي كان دعاة الإرجاء يملئونها، وأصبح الإنسان يسب الدين ويسب الله عندما يغضب على زوجته وولده.
ولو قيل لهؤلاء الناس: إن سب الله عز وجل وسب الرسول صلى الله عليه وسلم كفر مبين يوجب القتل في الدنيا، هل يتجرءون عليه؟ لو تربى الأطفال وهم صغار على أن هذا من الكفر، هل يمكن أن يسبوا؟! لا يمكن أبداً.
وهكذا أصبح السحرة عند محمد علوي المالكي