قال: [وأن الإيمان يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية].
وهذا أيضاً مما اتفق عليه أهل السنة والجماعة: أن الإيمان يزيد وينقص.
[وهم مع ذلك لا يكفرون أهل القبلة].
وأهل القبلة هم الذين قالوا: لا إله إلا الله، وصلوا، لا يكفرونهم بالكبائر، لكن إذا ارتكب أحد من أهل القبلة كفراً يخرج عن الإسلام كفروه إذا وجدت فيه الشروط وانتفت عنه الموانع.
وقد نسبوا إلى القبلة؛ لأنهم من أهل الصلاة، وهذا يدل على أن من لم يصل لا يعتبر من أهل القبلة، وعلى أن تارك الصلاة ليس من أهل القبلة، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من صلى صلاتنا، واستقبل قبلتنا، وأكل ذبيحتنا، فذلك المسلم) أي: في الظاهر، فلو أن رجلاً صلى صلاتنا، واستقبل قبلتنا، وأكل ذبيحتنا، ثم طاف بقبر لا يعتبر مسلماً إذا أقيمت عليه الحجة.
قال: (لا يكفرون أهل القبلة بمطلق المعاصي والكبائر، كما يفعله الخوارج)، فإن الخوارج يكفرون بالكبائر، ويستدلون على ذلك بقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن).
ويقولون: النبي صلى الله عليه وسلم بين أن الزاني في زناه لا يكون مؤمناً، نقول: نعم.
لا يكون مؤمناً كامل الإيمان؛ لأن الإيمان فيه كمال وفيه أصل، فهو ليس بمؤمن كامل الإيمان، لكن أصل إيمانه موجود.
لو أن إنساناً مات على الزنا، أو مات وهو مخمور فإنه يعاقب على ذنبه إذا شاء الله عز وجل، ثم يدخل الجنة إذا كان عنده أصل الإسلام وأصل الإيمان.
ومشكلة أهل البدع في الاستدلال: أنهم يأخذون طرفاً من النصوص ويتركون أطرافاً، فتجد أحدهم يأخذ حديثاً واحداً، ولا يعرف عن عشرات الأحاديث الأخرى.
يقول: (كما يفعله الخوارج) بل الأخوة الإيمانية ثابتة مع المعاصي، حتى لو كان الإنسان عاصياً فأخوة الدين ثابتة، كما قال سبحانه: {فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة:178].
قوله: {فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ} [البقرة:178] المقصود: بأخيه هنا: القاتل، والضمير في أخيه يرجع إلى ولي الدم، وهو ولي المقتول، فاعتبر القاتل أخاً لولي المقتول وللمقتول أيضاً؛ لأنهم جميعاً مسلمين، لكن القاتل عاص، ويعاقب على عصيانه إذا شاء الله عز وجل.
وقال: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا} [الحجرات:9]، فوصفهم بالإيمان مع أنه قال: ((اقْتَتَلُوا)).
{وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ} [الحجرات:9].
ويقول الله عز وجل: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ} [الحجرات:10] يعني: وصفهم بالإيمان مع وجود الشحناء والبغضاء والاقتتال بينهم.
قال: [ولا يسلبون الفاسق الملي الإسلام بالكلية، ولا يخلدونه في النار كما تقول المعتزلة].
المعتزلة يقولون: من فعل الكبيرة في الدنيا فهو في منزلة بين المنزلتين، لا نسميه مسلماً، ولا نسميه كافراً، وهذه بدعة جديدة، أما حاله في الآخرة فقد وافقوا الخوارج؛ لأنهم يعتقدون أنه مخلد في النار، لكن أهل السنة لا يسلبون الفاسق الملي الإسلام، والفاسق الملي معناه: المسلم العاصي، فاسق يعني: عنده عصيان، الملي: يعني: الذي على ملة الإسلام لم يكفر، ولم يخرج عن الإسلام، فهذا لا يسلبونه الإسلام، يعني: لا يجعلونه كافراً بفسوقه، ولا يخلدونه في النار كما تفعل المعتزلة والخوارج الذين اتفقوا في شيء واختلفوا في شيء، فاتفقوا على أن يخلدوه في النار، واختلفوا في حاله في الدنيا، أما حاله في الدنيا فقد اتفقوا من جهة، واختلفوا من جهة: اتفقوا من جهة أنه مسلوب الإيمان، فالخوارج لا يعتقدون أنه مؤمن؛ لأنه عندهم كافر، والمعتزلة لا يعتقدون أنه مؤمن؛ لأنه في منزلة بين المنزلتين.
يقول الله عز وجل: {وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ} [النساء:92] جاءت مطلقة، يعني: حتى لو كان عندها شيء من العصيان.
وقال: [وقد لا يدخل في اسم الإيمان المطلق].
وعندنا الإيمان المطلق ومطلق الإيمان، فما الفرق بين مطلق الإيمان والإيمان المطلق؟ مطلق الإيمان يعني: وجود أصل الإيمان، والإيمان المطلق يعني: الإيمان الكامل، فالفاسق عنده مطلق الإيمان، ليس عنده الإيمان المطلق؛ لأن الإيمان المطلق لا يكون إلا عند من وحد لله سبحانه وتعالى، وآمن وترك الذنوب والمعاصي، لكن من كانت عنده ذنوب ومعاص فإن عنده مطلق الإيمان وليس عنده الإيمان المطلق، ولهذا يقول: وقد لا يدخل -يعني: الفاسق الملي- في اسم الإيمان المطلق، كما قال تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ} [الأنفال:2]، هؤ