يقول المصنف رحمه الله تعالى في وصف أهل السنة والجماعة: [ثم هم مع هذه الأصول يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر].
لا يسكتون عن المنكرات، ويتميز أهل السنة دائماً بالصدق، فبعض الناس ينتسب إلى السنة وهو ينكر منكراً في مكان ويقر نفس المنكر في مكان آخر، وهذا خطأ، فتجد أنه ينكر على العامة مثلاً الزنا، لكن إذا وقع فيه شخص كبير شريف له مكانة في الناس لا ينكر عليه، مع أن العمل هو العمل نفسه، وهكذا في بقية الأمور الأخرى.
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ثم هم مع هذه الأصول يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر على ما توجبه الشريعة، ويرون إقامة الحج والجهاد والجمع والأعياد مع الأمراء].
يعني: الأمراء الذين يقيمون الشريعة في الناس، أبراراً كانوا أم فجاراً، وحتى لو كان الحاكم فاسقاً وفاجراً، كأن يكون يشرب الخمر ويزني، فما دام أنه لم يقع في الكفر المخرج عن الإسلام فإنه يطاع فيما أمر الله به، أما إذا أمر بمعصية فإنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق.
قال: [ويحافظون على الجماعات]، يعني: يحافظون على الجماعات في المساجد، وهناك بعض طوائف التكفير تهجر الجماعات وتشكك في الأئمة وتقول: إن بعض الأئمة قد يكون عنده عقيدة فاسدة، وهذه كلها ليست من طريقة أهل السنة.
قال: [ويدينون بالنصيحة للأمة، ويعتقدون معنى قوله صلى الله عليه وسلم: (المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضاً وشبك بين أصابعه)] ولهذا تجد أنهم يحرصون على الأخوة، ويجتهدون على لمّ صفوف أهل السنة، ويحافظون عليها، ويبتعدون عن الأخلاق التي تكون سبباً في سوء الصحبة أو العشرة ونحو ذلك.
قال: [وقول النبي صلى الله عليه وسلم: (مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر)، ويأمرون بالصبر عند البلاء، والشكر عند الرخاء، والرضا بمر القضاء، ويدعون إلى مكارم الأخلاق ومحاسن الأعمال، ويعتقدون معنى قوله صلى الله عليه وسلم: (أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم خلقاً)].
ولهذا لا يصح أن يكون الإنسان طالب علم وصاحب علم كثير وهو سيئ الأخلاق، وسيئ التعامل مع المسلمين، فهذا لا يصح أبداً، فلا بد من الخلق الحسن وهي من صفات أهل السنة.
قال: [ويندبون إلى أن تصل من قطعك وتعطي من حرمك، وتعفو عمن ظلمك، ويأمرون ببر الوالدين وصلة الأرحام وحسن الجوار، والإحسان إلى اليتامى والمساكين وابن السبيل، والرفق بالمملوك، وينهون عن الفخر والخيلاء والبغي والاستطالة على الخلق، بحق وبغير حق، ويأمرون بمعالي الأمور وينهون عن سفسافها، وكل ما يقولونه ويفعلونه من هذا وغيره فإنما هم فيه متبعون للكتاب والسنة.
وطريقتهم هي دين الإسلام الذي بعث الله به محمداً صلى الله عليه وسلم، لكن لما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن أمته ستفترق على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة وهي الجماعة، وفي حديث عنه أنه قال: (هم من كان على مثل ما أنا عليه اليوم وأصحابي) صار المتمسكون بالإسلام المحض الخالص من الشوب -يعني: من القدح مثلاً أو الخطأ والزلل- هم أهل السنة والجماعة، وفيهم -يعني في أهل السنة- الصديقون والشهداء والصالحون].
يعني: وفيهم أيضاً: العامي وفيهم المتعلم، وفيهم المتخصص في أحكام الشريعة، وفيهم غير المتخصص، وقد نقل النووي أن فيهم الفقهاء والنحويون واللغويون والمؤرخون وهكذا.
قال: [ومنهم أعلام الهدى ومصابيح الدجى، وأولو المناقب المأثورة والفضائل المذكورة، وفيهم الأبدال].
والأبدال: جمع بدل، وقيل: أن المقصود بالأبدال هم الصالحون الذين يأتي بعضهم بدل بعض عندما يموتون، ويروى في الأبدال أحاديث كلها ضعيفة موضوعة لا تصح، والأبدال لهم اصطلاح خاص عند الصوفية، وهو اصطلاح باطل، وهو أن لهم تأثيراً في تحريك الأرض وتدبير شئون الخلق، لكن هذا ليس مقصود الشيخ، وإنما المقصود بالأبدال أي: الأولياء الذين يأتي بعضهم بدل بعض، وليس المقصود اصطلاح الصوفية.
قال: [وفيهم أئمة الدين الذين أجمع المسلمون على هدايتهم، وهم الطائفة المنصورة الذين قال فيهم النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تزال طائفة من أمتي على الحق منصورة لا يضرهم من خالفهم ولا من خذلهم حتى تقوم الساعة)].
قد سبق الحديث عن هذه الأمور جميعاً.
قال رحمه الله: [نسأل الله أن يجعلنا منهم وألا يزيغ قلوبنا بعد إذ هدانا، وأن يهب لنا من لدنه رحمة إنه هو الوهاب، والله أعلم.
وصلى الله وسلم على محمد وآله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً].
وبهذا نكون قد انتهينا من شرح كتاب العقيدة الواسطية.
أسأل الله عز وجل أن يوفقنا للعلم النافع والعمل الصالح، وأن يعيذنا من شر الأقوال والأعمال إنه على كل شيء قدير.