وقد بحث العلماء مسألة: هل كل الناس يمتحنون؟ لأن كلمة الناس عامة تشمل الأنبياء والشهداء والصالحين، وتشمل الكفار والمنافقين، وتشمل أشياء كثيرة.
فأما الشهداء فورد فيهم نص عن النبي صلى الله عليه وسلم حيث قال النبي صلى الله عليه وسلم: (كفى ببارقة السيوف على رؤوسهم فتنة)، يعني: أن قتالهم في سبيل الله وبريق السيوف الذي واجهوه وقتلهم في سبيل الله يرفع عنهم الفتنة في القبر.
وهذا حديث صحيح صححه الشيخ الألباني رحمه الله تعالى في كتابه: أحكام الجنائز.
فالشهداء لا يمتحنون في قبورهم، ولا يأتيهم ملكان يسألانهم عن الرب وعن النبي وعن الإسلام.
وأما الأنبياء فلا يمتحنون في قبورهم.
والدليل على ذلك أمران: الأمر الأول: هو أن الأنبياء أولى من الشهداء.
فإذا كان الشهداء لا يمتحنون في قبورهم فالأنبياء أولى منهم؛ لأن فضل النبوة أعلى من فضل الشهادة.
وإذا كان فضل الشهادة مانعاً من الفتنة في القبور ففضل النبوة أولى.
وثانياً: أن الإنسان يسأل في قبره عن النبوة والأنبياء، فيقال له: من نبيك؟ وهذا يدل على أن المسئول عنه عظيم.
وإذا كان يسأل عن الأنبياء فلا شك أن هذا يدل على أنهم لا يسألون في قبورهم، وإنما ينعمون مباشرة.
ويفتن بقية الناس المسلم والكافر، وهو الصحيح الذي عليه أهل السنة من أن الفتنة في القبور تكون على المسلمين وعلى الكفار.
ويدل عليه حديث البراء بن عازب الطويل، والذي صنف فيه الذين يسألون ويفتنون في قبورهم.
قال: (فأما المؤمن)، ثم قال: (وأما المنافق)، وفي بعض الألفاظ: (والكافر).
وهذا يدل على أن المؤمن يسأل ويفتن.
وكذلك فيه دليل على أن الكافر أيضاً يسأل ويفتن، وكذلك المنافق؛ لأن هؤلاء جميعاً ورد النص فيهم في حديث البراء بن عازب، وكذلك دل على هذا عموم الأدلة التي بين النبي صلى الله عليه وسلم فيها أن هذه الأمة تفتن في قبورها.
وكلمة الأمة تشمل أمة الاستجابة وأمة الدعوة.
فالكفار يفتنون على الصحيح.
وهذا ما رجحه ابن القيم رحمه الله في كتابه الروح.
وكتاب الروح عمدة في هذا الباب؛ لأنه اشتمل على كثير من الأحاديث الواردة في قضية البرزخ وتعلق الروح بالبدن فيها وما يتبع ذلك من مسائل.