فأما صفة الحكم لله عز وجل فقد دلت عليها أدلة كثيرة، يقول الله عز وجل: {أَفَغَيْرَ اللَّهِ أَبْتَغِي حَكَمًا} [الأنعام:114]، ويقول الله سبحانه وتعالى: {فَاصْبِرُوا حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ بَيْنَنَا وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ} [الأعراف:87].
والحكم ينقسم إلى قسمين: وكذلك الحال في الإرادة والقضاء والأمر، جميع هذه المصطلحات الشرعية تنقسم إلى قسمين.
فالحكم ينقسم إلى قسمين: حكم شرعي، وحكم كوني، ولهذا عندما يتحدث علماء أصول الفقه عن الأحكام الشرعية يقسمونها إلى قسمين: أحكام تكليفية، وأحكام وضعية، الأحكام الشرعية تأتي من الله سبحانه وتعالى، وهو سبحانه وتعالى الذي يشرع للناس الأحكام، ولا يمكن أن يشرع الله عز وجل شيئاً للناس إلا وفيه مصلحة وخير عظيم لهم.
ويمثل هذا النوع -الحكم الشرعي- قول الله عز وجل: {إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ} [يوسف:40] فالحكم هنا هو شرع الله عز وجل ودينه، وما أمر الله عز وجل به من الأوامر الشرعية، وهذه الأوامر متعلقة بحياة الإنسان العملية، والاعتقادية، والسياسية، والمالية، وبالعلاقات الشخصية، كما قال الله عز وجل: {ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً} [البقرة:208]، ويقول الله عز وجل في سورة الممتحنة بعد أن ذكر جملة من الأحكام، قال: {ذَلِكُمْ حُكْمُ اللَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ} [الممتحنة:10].
فهذا هو القسم الأول من الحكم وهو الحكم الشرعي، والحكم الشرعي هنا موافق لما يحبه الله ويرضاه، والعباد قد يفعلون ما أمر الله عز وجل به وقد لا يفعلون، وهذا سيأتي الحديث عنه -إن شاء الله- مفصلاً في الكلام على القضاء والقدر.
أما النوع الثاني من الحكم فهو: الحكم الكوني، يقول الله عز وجل عن أحد إخوة يوسف أنه قال: {فَلَنْ أَبْرَحَ الأَرْضَ حَتَّى يَأْذَنَ لِي أَبِي أَوْ يَحْكُمَ اللَّهُ لِي وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ} [يوسف:80]، ويقول الله عز وجل: {إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ مَا يُرِيدُ} [المائدة:1].
وهذا الحكم هنا موافق لصفة الخلق والإبداع ونحو ذلك.